-
دروس في العقيدة 📒
دلت النصوص الشرعية الكثيرة على أن الفوائد والفضائل العظيمة لكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، والتي من أهمها: الحكم بإسلام صاحبها، وعصمة دمه وماله وعرضه، ودخول الجنة، وعدم الخلود في النار، أنها لا تحصل لكل من نطق بهذه الكلمة، بل لابد من توافر جميع شروطها، وانتفاء جميع نواقضها، فكما أن الصلاة لا تقبل ولا تنفع صاحبها إلا إذا توافرت جميع شروطها، من الوضوء واستقبال القبلة وغيرهما، وانتفت مبطلاتها، كالكلام والضحك والأكل والشرب وغيرها، فكذلك هذه الكلمة، لا تنفع صاحبها إلا باستكمال شروطها، وانتفاء نواقضها.
ولذلك لما قيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة: لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
وقد دلت النصوص الشرعيه على أن لهذه الكلمة العظيمة سبعة شروط، هي:
الشرط الأول: العلم بمعناها الذي تدل عليه، فيعلم أنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله تعالى. قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩] .
الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك، فلابد أن يؤمن إيماناً جازماً بما تدل عليه هذه الكلمة من أنه لا يستحق العبادة إلا الله تعالى، فإن الإيمان لا يكفي فيه إلا علم اليقين، لا الظن ولا التردد، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: ١٥] .
فمن كان غير جازم في إيمانه بمدلول هذه الكلمة أو كان شاكاً مرتاباً أو متوقفاً في ذلك لم تنفعه هذه الكلمة شيئاً.
الشرط الثالث: القبول المنافي للرد، فيقبل بقلبه ولسانه جميع مادلت عليه هذه الكلمة، ويؤمن بأنه حق وعدل. قال الله تعالى عن المشركين: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: ٣٥، ٣٦] .
فمن نطق بهذه الكلمه ولم يقبل بعض مادلت عليه إما كبراً أو حسداً أو لغير ذلك فإنه لا يستفيد من هذه الكلمة شيئاً.
فمن لم يقبل أن تكون العبادة لله وحده، ومن ذلك عدم قبول التحاكم إلى شرعه تكبراً، أو لم يقبل بطلان دين المشركين من عباد الأصنام أو عباد القبور أو اليهود أو النصارى أو غيرهم، فيقول: إن أديانهم صحيحة، فلا يقبل ما دلت عليه هذه الكلمة من بطلان هذه الأديان الشركية فليس بمسلم.
الشرط الرابع: الانقياد المنافي للترك، فينقاد بجوارحه، بفعل ما دلت عليه هذه الكلمة من عبادة الله وحده. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: ٢٢] ، ومعنى {يُسْلِمْ وَجْهَهُ} : ينقاد. ومعنى {وَهُوَ مُحْسِنٌ} : أي موحِّد.
فمن قالها وعرف معناها ولم ينقد للإتيان بحقوقها ولوازمها من عبادة الله والعمل بشرائع الإسلام، ولم يعمل إلا ما يوافق هواه أو ما فيه تحصيل دنياه لم يستفد من هذه الكلمة شيئاً.
الشرط الخامس: الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقول هذه الكلمة صدقاً من قلبه، يوافق قلبُه لسانه. قال الله تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١- ٣] .
ولذلك لم ينتفع المنافقون من نطقهم بهذه الكلمة، لأن قلوبهم مكذبة بمدلولها، فهم يقولونها كذباً ونفاقاً.
الشرط السادس: الإخلاص المنافي للشرك. فلابد من تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك. قال الله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر: ٢] .
فمن أشرك بالله تعالى في أي نوع من أنواع العبادة لم تنفعه هذه الكلمة.
الشرط السابع: المحبة. فلابد أن يحب المسلم هذه الكلمة ويحب ما دلت عليه، ويحب أهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها، ويبغض ما ناقض ذلك. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقره: ١٦٥] .
فمن قال "لا إله إلا الله" ولكنه أبغض ما دلت عليه من عبادة الله وحده لا شريك الله فليس بمسلم، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: ٩] .
أما نواقض "لا إله إلا الله"، وتسمى "نواقض الإسلام" و"نواقض التوحيد" وهي الخصال التي تحصل بها الردة عن دين الإسلام، فهي كثيرة، وقد ذكر بعض أهل العلم أنها تصل إلى أربعمائة ناقض.
وهذه النواقض تجتمع في ثلاثة نواقض رئيسة، هي الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر "الاعتقادي".
📕 كتاب : مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية
عبدالله بن الجبرين
🌌 مجموعة هذه سبيلي الدعوية
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق