خدمة تطوعيةٌ دعوية نسائيه تقوم على جهد أفراد من الفتيات ، تختص في الدعوة إلى الله على منهج الكتاب والسنة ، تعمل عبر شبكات التواصل الإجتماعي .
الخميس، 27 نوفمبر 2014
اللقاء الواحد والعشرون | تدارس |
الجمعة، 14 نوفمبر 2014
اللقاء العشرون | تدارس |
اللقاء التاسع عشر | تدارس |
أي النجم الذي يثقب الظلام بضيائه.
ثم بيَّن المقسَم عليه فقال: ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾
قال: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾، هذه دعوة للإنسان، بعد أن انتهى من العوالم العلوية السماء، والطارق النجم الثاقب؛ انتقل إلى ذات الإنسان تذكيرًا له.
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾، حتى لا يتكبر، وحتى يعلم دقة تدبير الله وتقديره.
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾، من أي شيء خلق؟
قال الله -عز وجل-: ﴿ خُلِقَ ﴾ أي الإنسان ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾
﴿ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾، ﴿ خُلِقَ ﴾ فالله -عز وجل- هو الذي خلق، أي أو جده وأنشأه وأخرجه ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾.
وابن آدم -كما نعلم- مخلوق من الماء، وهذا الماء من صفته أنه دافق، يعني يخرج باندفاع وقوة.
﴿ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾، هذا الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب.
الصلب: هو أسفل الظهر، أسفل العموم الفِقري يُسمى صلبًّا.
والترائب: هي عظام الصدر .
وهنا نقول : هل المقصود أن هذا التكوين للماء للرجل وحده أو للرجل والمرأة؟ ليس في الآيات ما يدل صراحة على أنه للرجل وحده، ولا للرجل والمرأة.
وبالنظر إلى الآيات نجد أن فيها إشارة أن هذا من الرجل؛ لقوله: ﴿ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾، والدفق هو من صفة ماء الرجل.
أي يخرج من الرجل من المنطقة التي تكون بين صلبه وترائبه،
ثم قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾،
"إنه" أي: الله -بلا شك .
﴿ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ اختُلف فيها، هل هي على رجع الإنسان، أو على رجع الماء الدافق؟
إذن العلماء -رحمهم الله- عندهم خلاف في هذا على قولين:
- ﴿ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ رجع الإنسان.
- أو في هذه الآية ﴿ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ على رجع الماء.
ومما يؤكد هذا: أن الآية جاءت لتستدل على أمر جاء القرآن به كثيرًا، وهو من قضايا الخصومة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والمشركين.
إذا قلنا: "إنه على رجع الإنسان لقادر" ما معنى ذلك؟ القضية التي اختصم فيها النبي مع المشركين ما هي؟ قضية هل فيه يوم آخر أو ليس هناك يوم آخر.
أما هل الله يقدر على أن يرد الماء أو لا يرده، لم يختصم فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين، فبانَ لنا بذلك أن القضية التي جاءت الآيات لتقريرها هي القضية التي وقعت فيها الخصومة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين المشركين، وهي قضية البعث، هل سيكون أو لا يكون، وهل الله قادر عليه أو غير قادر -تعالى الله عما يقول المشركون علوًّا كبيرًا- واضح هذا المعنى؟
ولذلك نحن نقول: من عادة القرآن الاستدلال على البعث والاعتناء بأمر البعث، ومتى جاءت الآية مختلفًا فيها بين أن يكون جاريًا على العادة أو مخالفًا لها، قلنا: لا؛ لأن يجري على العادة القرآنية أولى.
وبهذا نقول: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ أي الإنسان، ﴿ لَقَادِرٌ ﴾، قادر سبحانه أن يرجعه.
قال: ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾، ما معنى ﴿ تُبْلَى ﴾؟
تُختبَر ويُنظَر إليها كما قال الله -عز وجل- في سورة العاديات: ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ
أي تُكشَف وتُختبَر ويُنظَر إليها، ويُميَّز بين ما هو في صالح الإنسان وما هو ضده، ما هو خير وما هو شر، ما هو إيمانٌ وما هو كفر، ما هو صدقٌ وما هو كذب، إلى آخره، ﴿ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾.
وهذه الآية ينبغي للمؤمن أن يخاف منها.
لأنه سيأتي علينا يوم تُختبَر فيه سرائرنا، تُختبَر فيه نيَّاتنا وما في قلوبنا، هذا شيء مهول، هذا شيء عظيم ينبغي علينا جميعًا أن ننتبه له.
ولذلك على كل المسلم ومسلمة أن يلزم طريق الصدق، يلزم طريق الصدق والوضوح وعدم النفاق والمواربة، وأن يقول بلسانه شيئًا لا يعتقده بقلبه، إلى آخره.
﴿ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ ولَا نَاصِرٍ ﴾،
أي في ذلك اليوم ليس له من قوة يدفع بها عذاب الله -عز وجل-، ولا ناصرٌ من غيره يدفع عنه ما حلَّ به من البلاء، وهذا في غاية التهديد لبني الإنسان.
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ هذا قسم جديد .
﴿ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ ما معنى الرجع ؟!
ذات المطر، المطر سُمِّيَ رجعًا؛ لأنه يرجع مرةً بعد أخرى، المطر ما نزل مرَّة واحدة وانتهى، بل إنه يعود إلى الناس، ويعود بصفة الرجوع .
﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾،
هذا قسمٌ آخر بالأرض ذات الصدع؛ أي ذات التشقق، إذا نزل عليها المطر تشققت بالنبات؛ لأن النبات يكون مغروسًا في جوفها، فإذا نزلت عليه قطرات المطر شقَّ الأرض حتى خرج فوق ظهر الأرض.
فالقرآن ينزل من السماء كنزول المطر من السماء، وينزل على القلوب التي في أجواف العباد، فمن القلوب ما ينتفع بهذا القرآن ويتشقق بالنبات، يعني ويتشقق بالمنفعة، فيتذكر ويتعظ ويخشى.
ومن القلوب ما هو صلدٌ لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، ولا يأبه لشيء .
فهذا مثلٌ للقرآن، ولهذا جاء بالقرآن هنا فقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ .
قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾، قولٌ يفصل بين الحق والباطل، فالقرآن من أوله إلى آخره جاء للفصل لبيان الحق، حتى فيما اختلف فيه بنو إسرائيل من كتابهم وأخبارهم جاء القرآن ليفصل بينهم .
﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ أيضًا ليس فيه شيء جيء به للترفيه والحكايات والأحاجي والألغاز والتسلية، كل ما فيه ليس هزلًا، بل جدٌّ كما قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، فهذا القرآن كله جد، جاء بالحق الذي لا هزلَ فيه، ولا مِريةَ فيه، ولا لعب فيه، ولا لهو فيه، ولا شك فيه، من أوله إلى آخره، ما من كلمة وُضِعت ولا آية أُنزلت إلا وقد جاءت بالحق البيِّن الذي لا مرية فيه .
قال: ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ أي: هؤلاء الكفَّار ﴿ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴾ أي كيدًا عظيمًا، لكن الله يردُّ على كيهم بكيده،
فيقول: ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾، وجعله نكِره ليعظِّمه، وكيد الله خيرٌ من كيدهم،
﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
- وهل نثبت صفة الكيد لله؟
نقول: صفة الكيد تكون مرادًا بها المدح، ومرادًا الذم.
فيراد بها المدح عندما يكون في مقابلة كيدٍ، يكون ممدوحًا مَن يكيد لمَن يكيد.
ولذلك ما جاءت في القرآن إلا على وجه المقابلة، الاستهزاء، الخداع، المكر، الكيد، هذه الصفات جاءت في القرآن على وجه المقابلة.
يكون ممدوحا أن يكون رداً على كيد الكائدين
قال العلامة العثيمين في المجموع الثمين: لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيدا، فلا يوصف الله تعالى به وصفا مطلقا، والمكر التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر، فإن قيل: كيف يوصف الله تعالى بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله تعالى به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر.
قال الله -عز وجل-: ﴿ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا ﴾، لا تستعجل عليهم -يا محمد- فإن الله -سبحانه وتعالى- ما يقدر ما يقدر، وما يجعل هؤلاء يفعلون ما يفعلون إلا لأمر يريده، فعليك بالصبر والتريث وعدم الاستعجال، لا تستعجل لهم، مهّلهم، فسيأتي أمر الله -عز وجل- فيهم، أمر الله القدري بأن ينزل فيهم عقوبته وبأسه، وأمر الله الشرعي عندما يأذن لك بقتالهم، فتستأصلهم ولا تبقي منهم.
وبهذا نكون أنهينا تفسير سورة الطارق .
اللقاء السابع عشر ، الثامن عشر | تدارس |
قال الله -عز وجل- بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، الآن جاء دور ماذا؟
جاء دور الجزاء والعقوبة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ ما معنى فتنوا؟ نعم.
{أحرقوا وعذبوا المؤمنين}.
فتنوا هنا بمعنى أحرقوا، ونحن نفسرها بما يدل عليه السياق؛ لأن السياق في هذا المعنى، قال: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿4﴾ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿5﴾إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿6﴾ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾.
إذن: فتنوا هنا ليست بمعنى ابتلوا ابتلاءً عامًّا، بل فتنوا بمعنى أحرقوا، وأصل الفتنة في اللغة بمعنى الإحراق .
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ أي: أحرقوا.
﴿الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، وهذه عادة القرآن، إذا ذُكِر الرجال والنساء قُدِّم الرجال على النساء.
قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾،
سبحان الله، فعلوا هذا الفعل العظيم البشع المنكر وهو الإحراق الذي هو أبلغ أنواع العذاب التي تنزل بالإنسان من أخيه الإنسان، ومع ذلك يقول: هؤلاء الذينفعلوا ما فعلوا إذا لم يتوبوا سأفعل بهم كذا وكذا.
سبحان الله، أي فضل من الله على عباده أعظم من هذا؟
وأي إطماع بالتوبة أبلغ من هذا الإطماع؟
هذا يدل على ماذا؟
على سعة رحمة الله، وأن الإنسان مهما فعل من كفر، وجحود، وبغي، وعدوان، وظلم، فإن الله -سبحانه وتعالى- يفتح له باب التوبة، «إن الله ليبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل»، وقد ورد في الحديث: «إن الإسلام يَـجُبُّ ما قبله».
قال: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾، فهذه من أرجى آيات القرآن، كيف يفعلون هذا الفعل؟ وبمَن؟
بكل المؤمنين والمؤمنات، الصغار والكبار، ثم يقال لهم: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾، يعني لو تابوا لمحا الله كل ذلك عنهم.
ولذلك يتعجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتعجب الرب -سبحانه وتعالى- من اثنين يقتل أحدهما صاحبه، ثم يكونان في الجنة، قالوا: كيف؟ قال: يقتل هذا ذاك وهو كافر، ثم يسلم، فذاك يُكتب شهيدًا، ثم هذا يسلم فيموت على الإسلام فيدخلان الجنة.
قال: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾؛ أي العذاب الذي يكون في النار
﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾، طيب، أليس عذاب جهنم هو عذاب الحريق؟
نقول: نعم ولا. عذاب جنهم أوسع من عذاب الحريق؛ لأن من عذاب جهنم الزمهرير الذي هو شدة البرودة.
يعني جزاؤهم يكون من جنس عملهم، وهذه من كمال عدل الله -عز وجل- أن يُجازيَ العبد جزاءً من جنس عمله.
وإذا تتبعتم هذا وجدته مطردًا في كل جزاء، يعني مثلًا تلاحظون :
اليد عندما تسرق تُقطع، انظروا. الجزاء من جنس العمل، كما كانت السرقة باليد أيضًا يكون القطع لتلك اليد.
ودائمًا نلاحظ مثلًا: بروا آباؤكم تبركم أبناؤكم. الجزاء من جنس العمل، وهذا كثير في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهنا إنما ذُكر الحريق تذكيرًا بالحريق، فكما أحرقوا المؤمنين وهم شاهدون على ما يفعلون؛ فكذلك هم في جهنم يحرقون جزاءً وفاقًا.
قال الله -عز وجل- مبينًا بعد أن بيَّن عقوبة هؤلاء الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا وآذوا المؤمنين، وهذه سورة نزلت من باب التهديد للكفار الذين كانوا يؤذون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويؤذون أصحابه ويبالغون في عداوتهم وإيصال الأذى إليهم- قال مبشرًا أولئك المؤمنين الصابرين الذين بذلوا مهجهم وأرواحهم من أجل دينهم
قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.
نلاحظ كثيرًا في القرآن القرن بين الإيمان والعمل الصالح لئلا يدعيَ إنسان أن مجرد إيمانه بالله وتصديقه القلبي المجرد كافٍ في وصوله إلى الفوز والنجاة، لا، لا بد أن تصدق هذا الإيمان بعمل، ولذلك جعل أهل السنة من حقيقة الإيمان العمل، فقالوا: الإيمان اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، لا بد أن يكون عملٌ يُصدّق ذلك الإيمان الباطل.
أما إيمان باطل لا يصدّقه لا قول ولا عمل بالأركان؛ هذا إيمان غير صحيح، ولذلك يأتي هنا عندنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.
وبأي شيء يكون العمل صالحًا؟ يكون العمل صالحًا بأي شيء؟
{بموافقته للسنة، وأن يكون خالصًا}.
بشرطين، أي عمل لا يمكن أن يسمى صالحًا حتى يكتمل فيه شرطان :
وهو أن يكون العمل خالصًا لله لا يُراد به إلا وجهه،
وأن يكون موافقًا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فإذا جاء الإنسان وعمل عملًا صالحًا وخالصًا، ولكنه غير موافق لسنة رسول الله فإن الله لا يقبله؛ لأنه لماذا بُعث رسول الله؟
ما بُعث رسول الله إلا لنعبد الله بما شرعه لنا رسول الله.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»،
«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»،
فلا يجوز لك أن تتعبد الله بشيء لم يشرعه لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الله -عز وجل-: ﴿لَهُمْ﴾ تمليك، ليشعر بأنه يملكون هذا الذي سيؤتونه في الجنة، ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ وليست جنة، والجنة بمعنى البستان المليء بالأشجار، واللذائذ، والطيبات، والثمار والمأكولات والمشروبات، جنات، وكل جنة تختلف عن الجنة الأخرى.
قال: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، الأنهار تجري من تحت تلك الجنات، وهذا من ألذّ ما يكون في الراحة والنعمة واليسر، لأن النهر يجري من تحتك، فأنت تراه، تتلذذ بمرآه، وتسر بأنك فوقه، وأيضًا إذا أردت شيئًا وإذا هو قريب، فضلًا عن أن الغلمان يطوفون عليك بأكواب وأباريق وكأس من معين -نسأل الله الكريم من فضله.
قال: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾، هذا الفوز الذي سيحققه هو الذي حقق الفوز الحقيقي، ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾.
ثم قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾،هذا تهديد لهؤلاء الذي يفعلون بالمؤمنين ما يفعلون سواء كانوا من المعاصرين، أو من المتقدمين، لا يغرّنكم إمهال الله -عز وجل- وأنه -سبحانه وتعالى- ترككم تفعلون بالمؤمنين ما تفعلون، فإن هذه الدنيا ليست محلًّا في الأصل للجزاء، لأنها أحقر من أن تكون محلًّا للجزاء، «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافرًا منها شربة ماء».
فإذا فات على المؤمن أن يتنعم فيها أو يبقى فيها، أو يأخذ حقه ونصيبه فيها، فإنه ما فاته شيء أصلًا، ما فاته شيء، يعني لو أنك ما ملكت فيها قصرًا ولا بيتًا ولا زوجة ولا دارًا ولا مالًا، ما فات شيء ما فاتك شيء لأن الدنيا ليست بشيء، لا تزن عند الله جناح بعوضة.
ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين لنا مقياس ما بين الدنيا والآخرة، قال: «مثل ما في الجنة بالنسبة للدنيا مثل ما يضع أحدكم أصبعه في اليمِّ فلينظر بمَ يرجع»، يعني هذه نسبة ما بين الدنيا والآخرة، واحد وضع أصبعه في البحر، هذا البلل ماذا نقص من البحر؟ كذلك نسبة الدنيا بالنسبة للآخرة -لا إله إلا الله- شيء مهول.
قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿12﴾ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيعِيدُ﴾.
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾، البطش هو: الأخذ بشدة وقوَّة.
﴿لَشَدِيدٌ﴾: لقوي عنيف، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102] ».
﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيعِيدُ﴾
ما معنى يبدىء
اختُلف في هذه الآية على قولين:
﴿يُبْدِئُ﴾ من إبداء الإنسان، أي خلقه أول مرة، وإعادته بعد موته، وهذا معنًى يرد في القرآن الكريم كثيرًا.
والثاني: إنه يُبدئ العذاب ثم يعيده، وهذا أنسب للسياق وإن كان المعنى الأول صحيح؛ لأن الله يُبدِئ الخلق ثم يعيدهم، أي يبعثهم بعد موتهم.
لكن اللائق بالسياق هو الثاني، فكأنه يقول: سيعجل العقوبة لهؤلاء الظالمين الذين أحرقوا المؤمنين بالنار، يعجل لهم العقوبة في الدنيا، ثم يعيدها عليهم في الآخرة .
﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾، سبحان الله! هذا من كون القرآن ماذا؟
كونه مثاني.
يأتي بالمعنى ثم مرة أخرى يعيده لكن من وجه آخر، أو يأتي بالرجاء ثم الخوف، أو بالترغيب ثم بالترهيب، أو بالمؤمنين ثم الكافرين، أو بالجنة ثم النار، هذا من كون القرآن مثاني، تستوعب المعنى من جميع جهاته، تبقى متزنًا في فهم الحقائق.
قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ يُطمع هؤلاء بالتوبة، فهو غفور إذا استغفرتموه غفر لكم ومحا عنكم ذنوبكم.
الغفر في أمرين ما هما ؟!
والغَفَر فيه أمرين:
الغفَر بمعنى الستر.
والغفْر بمعنى التجاوز.
فإذا قيل: غفور، يعني الذي يستر الذنوب ويتجاوز عن عقوبتها ومجازاة أصحابها .
بقوله ماذا؟ ﴿الْوَدُودُ﴾، لماذا جاء ﴿الْوَدُودُ﴾ بعد ﴿الْغَفُورُ﴾؟
المودة تكون من الله بعد الغفران، وهنا يأتي السؤال: ما معنى ﴿الْوَدُودُ﴾؟ ﴿الْوَدُودُ﴾ هنا ما معناها؟
الحبيب الذي يتحبب لأوليائه، فإذا تحبب إليهم ودُّوه وأحبوه -سبحانه وتعالى- ولكن هذا لا يأتي إلا بعد المغفرة.
ثم قال واصفًا نفسه ومعظمًا ذاته: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾؛ أي صاحب العرش، وإنما ذكر العرش دونما سواه لأنه أعظم المخلوقات، وهو المخلوق الذي جعله الله -عز وجل- محلًّا للاستواء .
﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾، المجيد هو الله والمجيد مأخوذ من المجد هو الكرم والعظمة، العظيم الكريم الذي هو واسع في قوته وعظمته وكرمه -سبحانه وتعالى-.
ثم وصف نفسه قال: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾، وهذا من باب التهديد، فهو -سبحانه وتعالى- يفعل كل شيء يريد، بخلافنا نحن نفعل أشياء لا نريدها، ونريد أشياء ولا نفعلها .
ثم قال -عز وجل- استدراكًا للوقت: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾، هذا بعد أن هدد في قصة أصحاب الخدود، هدد في قصص الأقوام الآخرين.
مَن هم؟
قال: ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ ماذا فعل الله بهم؟ وهذا تهديد لكم يا أهل مكة، يا مَن تفعلون برسول الله ما فعلتم.
﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ﴾، الذين كفروا في تكذيب، يعني كأنهم من كثرة تكذيبهم لما يأتيهم من الآيات والبينات كأنهم في وسط التكذيب.
قال: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ﴾؛ أي قد أحاط بهم من جميع الجهات، فكيف يظنون أنهم يفلتون من قبضة الله؟ وكيف يفعلون ما يفعلون برسول الله وبالمؤمنين معه؟ ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ﴾.
قال: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾؛ أي هذا القرآن الذي نزل على رسول الله قرآن مجيد كريم وعظيم، ولا يستطيع أحد أن يصل إليه بسوء.
قال: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾؛ أي هو مكتوب في اللوح المحفوظ.
وقد قُرأت محفوظ بقراءتين:
- ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾، إذن مَن هو؟ "محفوظ" هذه صفة لماذا؟ للوح.
- وقُرأت ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٌ﴾، تكون صفة لماذا؟ للقرآن، بل هو قرآن مجيد محفوظٌ في لوحٍ.
بأي القراءتين نأخذ؟ بكليهما، وهذا من فوائد القراءات أنها تبرز لنا معاني إضافية من دون أن يكون في ذلك أدنى تعارض.
بهذا ننتهي ونصل إلى نهاية تفسير هذه السورة الكريمة التي فيها معانٍ عظيمة -نسأل الله أن ينفعنا بها.