الجمعة، 14 نوفمبر 2014

اللقاء السابع عشر ، الثامن عشر | تدارس |

'

لقاءات مجموعة | تدارس 📚 |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس السابع عشر ، الثامن عشر :

سورة البروج 



سورة البروج
مكية أم مدنية ؟!
مكية وظاهر موضوعاتها موضوعات السورة المكية 
والمكية قلنا في الغالب تتحدث عن ماذا ؟!!
تقرير العقيدة وترسيخها وتبيينها
لانه في العهد المكي لم تكن هناك تشريعات
ولم تفرض العبادات ولا غيرها من الأحكام 
فجاءت هذه السور كلها تبين العقيدة وركزت ع اليوم الآخر والبعث والنشور لما يناسب حال المشركين في ذاك الوقت
هذه السورة افتتحت بأربعة أقسام، قال الله -عز وجل- فيها: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴿1﴾ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ﴿2﴾ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾
ولكن أين المقسم عليه ؟!!  جواب القسم ؟!
ولم يُذكر المُقسَم عليه، وهذا كثير في القرآن، أن يؤتى بالقسم ولا يُذكر جواب القسم.

لأن الجواب يكون معروفًا من القسم، أو معروفًا من السياق، وقد يكون هذا في بعض الأحيان أهْيَبُ للجواب، يعني كأن تقول لعدوك الذي تخاصمه: والله، ثم والله، وتسكت، أي: لأقتلنك، أو لأقبضنَّ عليك، أو لأوذينَّك، أو شيئًا من هذا القبيل.
والجواب يُؤخذ من معنى القسم، فلما قال: ﴿واليوم الموعود﴾، عرفنا أنه يُريد به القسَم على البعث .
 ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ ما البروج؟ 
ذات المنازل المعروفة للكواكب؛ لأن الشمس والقمر تجريان في منازلَ معروفة، ولها أسماء معروفة عند أهل الفلك، فتُسمى هذه بروجًا.
أو يُقال: إن البروج هي النجوم التي نَراها نحن في السماء، ولذلك اختلف السلف فيها:
- فقيل: ذات القصور، ذات البروج بمعنى القصور.
- وقيل: ذات النجوم.
والثاني هذا أظهر، وإن كان لا يتعارض مع الأول، لأنه إذا قيل: النجوم، أو قيل: القصور أو المنازل، فإنها أيضًا تعبّر عن ذات المعنى، فالله يُقسم بهذه السماء وما فيها من الآيات العظيمة وهي هذه النجوم الهائلة التي تدلّ على الله -سبحانه وتعالى- وعلى قدرته وعظمته.
ثم قال بعد ذلك: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴿1﴾ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾، أجمع المفسرون على أن اليوم الموعود هو يوم القيامة بلا شك.
(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) فماهما ؟!
اليوم الموعود هو يوم القيامة بالإجماع، وأما الشاهد والمشهود فقد وقع الخلاف فيها على قريب من أربعين قولًا.
هذه الرسالة التي تقول ان الشاهد يوم عرفة بدعة هكذا انتشرت ايام عرفه ليست بدعه لماذا ؟!
سأبين لكم الآن :
وهو كلام للشيخ محمد الخضيري ونشرناه في ذاك الوقت عبر الواتس وسأعيده مره أخرى
يقرأ أحد في كتب التفسير فيرى هذه الأقوال الكثيرة في الشاهد والمشهود، فيتعجب ويقول: كيف نفهم القرآن بهذه الطريقة؟!
نقول: لا، ينبغي لك أن تفهم كلام المفسرين وطريقتهم في التعبير عن المعنى، فإنه ليس كلّ خلاف ورد في التفسير هو من قبيل الاختلاف التضاد، لأن الخلاف عندنا نوعان:
- خلاف تنوع.
- وخلاف تضاد.
خلاف التضاد هو: إما أن تقول بهذا أو بهذا.
بمعنى شيء وعكسه ضده
خلاف التنوع هو: أن يمكن تجتمع الأقوال في معنى الآية، ويكون كلّ واحد من المفسرين أشار إلى مثال، أو أشار إلى جهة من جهات المعنى، وهذا كثير في تفسير السلف.
مثل البروج قبل لحظات
من قال منازل عالية والآخرين قالوا النجوم هنا اختلاف تنوع لان النجوم عالية وفي منازل عالية فاستطعنا نجمع المعنى .
فقوله: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾، منهم مَن قال: الشاهد: يوم الجمعة. والمشهود: يوم عرفة.
ومنهم من قال: الشاهد: يوم عرفة. والمشهود : يوم النحر.
ومنهم مَن قال: الشاهد: الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمشهود: أمته.
ومنهم مَن قال: الشاهد: أمة محمد. والمشهود: هي الأمم السابقة.
وأقوال كثيرة، يعني كل ما ورد في القرآن مما وُصِفَ بأنه شاهد أو وُصِف بأنه مشهود قد ذُكر في تفسير هذه الآية إلا نادرًا.
 لاحظوا كم فسر شاهد ومشهود بمعنى فحتى نجمع المعنى نقول :
الشاهد: هو قسَم بكل شيء شاهد.
والمشهود: قسم بكل شيء مشهود.
بهذا يكون هذا التفسير أعمَّ التفاسير، وما ورد عن السلف إنما ورد من باب المثال، وليس يُراد به الحصر.
فمن قال عرفه لا نقول له بدعه ، ومن قال النحر لا نقول بدعه ، وخاصه أن هناك من ذكرها الله في القران لذلك استدل بها العلماء 
مثال الرسول في قوله (شاهداً عليهم ) فبعض العلماء فسر الشاهد بأنه الرسول وإذا كان الرسول شاهد يصبح المشهود أمته وهكذا .
قال سبحانه: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾، قال: ﴿قُتِلَ﴾، ﴿قُتِلَ﴾ دعاء بالقتل، واللعن، والطرد، والإبعاد عن رحمة الله.
﴿أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾؛ أي أصحاب الشق الذي في الأرض، لأن الخد هو الشق، والأخدود هو الأرض المشقوقة أو الشق في الأرض.
الحقيقة أن الآيات أشارت إلى أصحاب الأخدود ولم تبيِّن لنا مَن هم، هل كانوا في زمن مضى؟ هل كانوا في زمن نبيّ من الأنبياء؟ ما أشارت إلى شيء، لكن قالت: ﴿أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾.
ومن هنا اختلف المفسرون في المراد بأصحاب الأخدود مَن هم، هل هم قصة وقعت في اليمن؟ أو في نجران؟ أو في بلاد الشام؟ أو العراق؟ أو في صقع من الأرض آخر؟ ذكروا أقوالًا، ولا مانع من أن تكون الآية شاملة لكل أولئك؛ لأنه ليس في الآية ما يدل على أن المراد به قوم معينين، هذه لا بد أن نعرفها.
حتى الحديث الذي ورد فيه قصة أصحاب الأخدود في صحيح مسلم لم يُشِر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الآيات من السورة لنقول إن هذا تفسير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للسورة، بل إنه ذكر قصة أصحاب الأخدود ولم يقرأ آية من آيات سورة البروج.
ومن هنا مَن حمل تلك القصة على أنها تفسير لهذه السورة فهذا اجتهاد منه، ومَن قال: لا، شيء آخر، فهذا أيضًا اجتهاد منه، ولا مانع منه.
ولكن الأليق ما جاء في السنة النبوية، ولا مانع أن يكون غيره داخلًا فيه؛ لأن الآيات تحتمل هذا كله، تحتمل هذا كله.
قال: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾، نسبهم إلى الأخدود؛ لأنهم عملوه ليضطهدوا به المؤمنين، فهم شقُّوا في الأرض شقًّا عظيمًا، ثم أضرموا فيه نارًا هائلة كبيرة، ثم ألقوا فيها مَن آمن، كما جاء في آيات السورة.
﴿النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾، صاحبة الوقود.
فما الوقود؟!
والوقود يعني: الحطب الذي أوقدت به تلك النار .
قال الله -عز وجل-: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾، جالسون عليها، هذا من شدة ماذا؟ 
طغيانهم وظلمهم، يعني جالسون حول النار يتلذذون بتعذيب المؤمنين، من شدة ما هم فيه من البغي والعدوان والظلم لهؤلاء المؤمنين الذين ما كان لهم من ذنب يستحقون عليه العذاب إلا أنهم قالوا ربنا الله.
( وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ )
أي شاهدون وحاضرون على ما يفعلونه بالمؤمنين، وهذا للدلالة على قسوة قلوبهم، وعلى قصدهم لما فعلوا، وأن ما فُعل لم يجرِ في الخفاء، أو يجري من وراء ظهورهم، أو بغير رضاهم، أو بغير أمرهم؛ بل كان ذلك بأمرهم، وكانوا مسرورين بفعلهم، وكانوا يظنون أنهم قادرون على كل شيء.
نعوذ بالله من قسوة القلب وصده وطغيانه .
قال: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ﴾، ما الذي جعلهم ينقمون من المؤمنين؟
قال: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، ما نقموا منهم؛ لأنهم كانوا مشاغبين، أو غير ذلك مما يحاولون أن يحتجوا به، لا، إنما نقموا من أجل أنهم كانوا مؤمنين.
ومن العجيب :
أن الإنسان يعاقب على الحق، وعلى التزامه به، وهذه إحدى السنن العظيمة في الصراع بين الحق والباطل، وهي أن الإنسان الملتزم يجد عداوة ممن لا يلتزم بالحق، ولذلك مثلًا المرأة العاهرة تعادي المرأة العفيفة، تعاديها لأي شيء؟ لعفتها، سبحان الله، كان المفترض أن تكون العفة سببًا لمحبتها وإكرامها وإجلالها، فإذا بها تعاديها.
وكذلك قوم لوط السبب ؟!
لانهم اناس يتطهرون (أخرجوا آل لوط من قريتكم ) .
 ﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ 
وهما اسمان من أسماء الله
العزيز: مأخوذ من العزة، والعزة عندنا عزة الله -عز وجل- التي نثبتها لله هي ثلاثة أنواع:
- عزة قدر.
- وعزة قهر.
- وعزة امتناع.
عزة القدْر: أن يكون الله -عز وجل- عزيزًا، يعني فلا يُنال بسوء، فهو ذو العزة في قدره -سبحانه وتعالى-.
وعزة القهْر: أن يكون قاهرًا على غيره، والله -عز وجل- قد قهر كل شيء ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: 18].
وعزة الامتناع: أن يكون الله ممتنعًا عمن يريده بشيء من السوء، يعني مهما حاولوا أن يسيؤوا إلى ربهم -سبحانه وتعالى- فإنهم لن ينالوا من الله شيئًا، فالله عزيز.
ثم قال: ﴿الْحَمِيدِ﴾؛ أي المحمود، فعيل بمعنى: مفعول، يُحمد على أفعاله كلها.
وذكرت في ختام الآية لمناسبة العزة: كأنها تهديد لهم، وأيضًا بشارة للمؤمنين، يعني: أيها المؤمنون سينتقم الله من هؤلاء الذي آذوكم وفعلوا بكم ما فعلوا.
الحميد: المحمود على كل أفعاله، فلا تظنوا أنه -سبحانه وتعالى- عندما يُمكِّن هؤلاء الظالمين من رقاب هؤلاء المؤمنين أن ذلك شر للمؤمنين، لا، هو خير لهؤلاء المؤمنين، إنه يُعجِّل بهم إليه ليُكرمهم، ويُعظم منازلهم.
قال الله -عز وجل-: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وهذا من عزته، فهو القادر على كل شيء، الذي بيده ملكوت كل شيء، ولذلك ملك السماوات والأرض له سبحانه، فإذا كان له وهؤلاء في ملكه -هؤلاء الذين فعلوا ما فعلوا في ملكه- إذن لا خوف؛ لأنهم لن يفلتوا من قبضته، ولن يخرجوا عن ملكه .
قال: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، الله -سبحانه وتعالى- على كل شيء، لا يخرج من هذا شيء، وهذا من الألفاظ العامة التي تستوعب كل شيء.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، ﴿شَهِيدٌ﴾ بمعنى حاضر ومطلع وعالم مبصر، لا يخفى عليه من أمر العباد شيء -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
إذن: فاطمئنوا أيها المؤمنون، إياكم أن تظنوا أن ما يفعله أعداؤكم بكم قد فات على الله، أو أن الله لم يطلع عليه؛ لا، لا، لا، الله مطلع على كل شيء، وسيعطي كل أحد جزاءه، إن صالحًا وإن سيئًا.
وحديث القرآن لا يمل والتأمل في آياته وتدبرها يجعل من الإنسان إنساناً آخر يتغير إداركه ويعرف نفسه وقدره ويعرف أهم مافي القرآن معرفة الله .
لذلك التمسك بالدين والاقبال عليه والرجوع للقرآن والاعتكاف عليه
يقي الانسان الفتن ويلهمه الصبر لانه يعرف أن هذه سنه ماضيه ويعقبها خير عظيم بإذن الله ولو تلاحظون أكثر الناس ثباتاً أكثرهم تقوى وأكثرهم خوفا من الله ومعرفه به ومن عرف الله عرف حجم البشر وقدراتهم .

قال الله -عز وجل- بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الآن جاء دور ماذا؟

 جاء دور الجزاء والعقوبة.

﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا ما معنى فتنوا؟ نعم.

{أحرقوا وعذبوا المؤمنين}.

فتنوا هنا بمعنى أحرقوا، ونحن نفسرها بما يدل عليه السياق؛ لأن السياق في هذا المعنى، قال: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿4 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿5إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿6 وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ.

إذن: فتنوا هنا ليست بمعنى ابتلوا ابتلاءً عامًّا، بل فتنوا بمعنى أحرقوا، وأصل الفتنة في اللغة بمعنى الإحراق .

﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا أي: أحرقوا.

﴿الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وهذه عادة القرآن، إذا ذُكِر الرجال والنساء قُدِّم الرجال على النساء.

قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا، 

سبحان الله، فعلوا هذا الفعل العظيم البشع المنكر وهو الإحراق الذي هو أبلغ أنواع العذاب التي تنزل بالإنسان من أخيه الإنسان، ومع ذلك يقول: هؤلاء الذينفعلوا ما فعلوا إذا لم يتوبوا سأفعل بهم كذا وكذا. 

سبحان الله، أي فضل من الله على عباده أعظم من هذا؟

 وأي إطماع بالتوبة أبلغ من هذا الإطماع؟ 

هذا يدل على ماذا؟ 

 على سعة رحمة الله، وأن الإنسان مهما فعل من كفر، وجحود، وبغي، وعدوان، وظلم، فإن الله -سبحانه وتعالى- يفتح له باب التوبة، «إن الله ليبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل»، وقد ورد في الحديث: «إن الإسلام يَـجُبُّ ما قبله».

قال: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا، فهذه من أرجى آيات القرآن، كيف يفعلون هذا الفعل؟ وبمَن؟ 

بكل المؤمنين والمؤمنات، الصغار والكبار، ثم يقال لهم: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا، يعني لو تابوا لمحا الله كل ذلك عنهم.

ولذلك يتعجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتعجب الرب -سبحانه وتعالى- من اثنين يقتل أحدهما صاحبه، ثم يكونان في الجنة، قالوا: كيف؟ قال: يقتل هذا ذاك وهو كافر، ثم يسلم، فذاك يُكتب شهيدًا، ثم هذا يسلم فيموت على الإسلام فيدخلان الجنة.

قال: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ؛ أي العذاب الذي يكون في النار

﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ، طيب، أليس عذاب جهنم هو عذاب الحريق؟

نقول: نعم ولا. عذاب جنهم أوسع من عذاب الحريق؛ لأن من عذاب جهنم الزمهرير الذي هو شدة البرودة.

يعني جزاؤهم يكون من جنس عملهم، وهذه من كمال عدل الله -عز وجل- أن يُجازيَ العبد جزاءً من جنس عمله.

وإذا تتبعتم هذا وجدته مطردًا في كل جزاء، يعني مثلًا تلاحظون : 

اليد عندما تسرق تُقطع، انظروا. الجزاء من جنس العمل، كما كانت السرقة باليد أيضًا يكون القطع لتلك اليد.

ودائمًا نلاحظ مثلًا: بروا آباؤكم تبركم أبناؤكم. الجزاء من جنس العمل، وهذا كثير في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهنا إنما ذُكر الحريق تذكيرًا بالحريق، فكما أحرقوا المؤمنين وهم شاهدون على ما يفعلون؛ فكذلك هم في جهنم يحرقون جزاءً وفاقًا.

قال الله -عز وجل- مبينًا بعد أن بيَّن عقوبة هؤلاء الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا وآذوا المؤمنين، وهذه سورة نزلت من باب التهديد للكفار الذين كانوا يؤذون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويؤذون أصحابه ويبالغون في عداوتهم وإيصال الأذى إليهم- قال مبشرًا أولئك المؤمنين الصابرين الذين بذلوا مهجهم وأرواحهم من أجل دينهم

 قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.

نلاحظ كثيرًا في القرآن القرن بين الإيمان والعمل الصالح لئلا يدعيَ إنسان أن مجرد إيمانه بالله وتصديقه القلبي المجرد كافٍ في وصوله إلى الفوز والنجاة، لا، لا بد أن تصدق هذا الإيمان بعمل، ولذلك جعل أهل السنة من حقيقة الإيمان العمل، فقالوا: الإيمان اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، لا بد أن يكون عملٌ يُصدّق ذلك الإيمان الباطل.

أما إيمان باطل لا يصدّقه لا قول ولا عمل بالأركان؛ هذا إيمان غير صحيح، ولذلك يأتي هنا عندنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.

وبأي شيء يكون العمل صالحًا؟ يكون العمل صالحًا بأي شيء؟

{بموافقته للسنة، وأن يكون خالصًا}.

بشرطين، أي عمل لا يمكن أن يسمى صالحًا حتى يكتمل فيه شرطان :

وهو أن يكون العمل خالصًا لله لا يُراد به إلا وجهه، 

وأن يكون موافقًا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فإذا جاء الإنسان وعمل عملًا صالحًا وخالصًا، ولكنه غير موافق لسنة رسول الله فإن الله لا يقبله؛ لأنه لماذا بُعث رسول الله؟ 

ما بُعث رسول الله إلا لنعبد الله بما شرعه لنا رسول الله.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: 

«مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»،

 «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»،

 فلا يجوز لك أن تتعبد الله بشيء لم يشرعه لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال الله -عز وجل-: ﴿لَهُمْ تمليك، ليشعر بأنه يملكون هذا الذي سيؤتونه في الجنة، ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ وليست جنة، والجنة بمعنى البستان المليء بالأشجار، واللذائذ، والطيبات، والثمار والمأكولات والمشروبات، جنات، وكل جنة تختلف عن الجنة الأخرى.

قال: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، الأنهار تجري من تحت تلك الجنات، وهذا من ألذّ ما يكون في الراحة والنعمة واليسر، لأن النهر يجري من تحتك، فأنت تراه، تتلذذ بمرآه، وتسر بأنك فوقه، وأيضًا إذا أردت شيئًا وإذا هو قريب، فضلًا عن أن الغلمان يطوفون عليك بأكواب وأباريق وكأس من معين -نسأل الله الكريم من فضله.

قال: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ، هذا الفوز الذي سيحققه هو الذي حقق الفوز الحقيقي، ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ.

ثم قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ،هذا تهديد لهؤلاء الذي يفعلون بالمؤمنين ما يفعلون سواء كانوا من المعاصرين، أو من المتقدمين، لا يغرّنكم إمهال الله -عز وجل- وأنه -سبحانه وتعالى- ترككم تفعلون بالمؤمنين ما تفعلون، فإن هذه الدنيا ليست محلًّا في الأصل للجزاء، لأنها أحقر من أن تكون محلًّا للجزاء، «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافرًا منها شربة ماء».

فإذا فات على المؤمن أن يتنعم فيها أو يبقى فيها، أو يأخذ حقه ونصيبه فيها، فإنه ما فاته شيء أصلًا، ما فاته شيء، يعني لو أنك ما ملكت فيها قصرًا ولا بيتًا ولا زوجة ولا دارًا ولا مالًا، ما فات شيء ما فاتك شيء لأن الدنيا ليست بشيء، لا تزن عند الله جناح بعوضة.

ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين لنا مقياس ما بين الدنيا والآخرة، قال: «مثل ما في الجنة بالنسبة للدنيا مثل ما يضع أحدكم أصبعه في اليمِّ فلينظر بمَ يرجع»، يعني هذه نسبة ما بين الدنيا والآخرة، واحد وضع أصبعه في البحر، هذا البلل ماذا نقص من البحر؟ كذلك نسبة الدنيا بالنسبة للآخرة -لا إله إلا الله- شيء مهول.

قال الله -عز وجل-﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿12 إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيعِيدُ.

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ، البطش هو: الأخذ بشدة وقوَّة.

﴿لَشَدِيدٌ﴾: لقوي عنيف، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102] ».

﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيعِيدُ﴾

ما معنى يبدىء

اختُلف في هذه الآية على قولين:

﴿يُبْدِئُ﴾ من إبداء الإنسان، أي خلقه أول مرة، وإعادته بعد موته، وهذا معنًى يرد في القرآن الكريم كثيرًا.

والثاني: إنه يُبدئ العذاب ثم يعيده، وهذا أنسب للسياق وإن كان المعنى الأول صحيح؛ لأن الله يُبدِئ الخلق ثم يعيدهم، أي يبعثهم بعد موتهم.

لكن اللائق بالسياق هو الثاني، فكأنه يقول: سيعجل العقوبة لهؤلاء الظالمين الذين أحرقوا المؤمنين بالنار، يعجل لهم العقوبة في الدنيا، ثم يعيدها عليهم في الآخرة .

﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾، سبحان الله! هذا من كون القرآن ماذا؟ 

كونه مثاني. 

يأتي بالمعنى ثم مرة أخرى يعيده لكن من وجه آخر، أو يأتي بالرجاء ثم الخوف، أو بالترغيب ثم بالترهيب، أو بالمؤمنين ثم الكافرين، أو بالجنة ثم النار، هذا من كون القرآن مثاني، تستوعب المعنى من جميع جهاته، تبقى متزنًا في فهم الحقائق.

قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ يُطمع هؤلاء بالتوبة، فهو غفور إذا استغفرتموه غفر لكم ومحا عنكم ذنوبكم.

الغفر في أمرين ما هما ؟!

والغَفَر فيه أمرين:

الغفَر بمعنى الستر.

والغفْر بمعنى التجاوز.

فإذا قيل: غفور، يعني الذي يستر الذنوب ويتجاوز عن عقوبتها ومجازاة أصحابها .

 بقوله ماذا؟ ﴿الْوَدُودُ﴾، لماذا جاء ﴿الْوَدُودُ﴾ بعد ﴿الْغَفُورُ﴾؟ 

المودة تكون من الله بعد الغفران، وهنا يأتي السؤال: ما معنى ﴿الْوَدُودُ﴾؟ ﴿الْوَدُودُ﴾ هنا ما معناها؟

الحبيب الذي يتحبب لأوليائه، فإذا تحبب إليهم ودُّوه وأحبوه -سبحانه وتعالى- ولكن هذا لا يأتي إلا بعد المغفرة.

ثم قال واصفًا نفسه ومعظمًا ذاته: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾؛ أي صاحب العرش، وإنما ذكر العرش دونما سواه لأنه أعظم المخلوقات، وهو المخلوق الذي جعله الله -عز وجل- محلًّا للاستواء .

 ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾، المجيد هو الله والمجيد مأخوذ من المجد هو الكرم والعظمة، العظيم الكريم الذي هو واسع في قوته وعظمته وكرمه -سبحانه وتعالى-.

ثم وصف نفسه قال: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾، وهذا من باب التهديد، فهو -سبحانه وتعالى- يفعل كل شيء يريد، بخلافنا نحن نفعل أشياء لا نريدها، ونريد أشياء ولا نفعلها .

ثم قال -عز وجل- استدراكًا للوقت: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾، هذا بعد أن هدد في قصة أصحاب الخدود، هدد في قصص الأقوام الآخرين.

مَن هم؟

قال: ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ ماذا فعل الله بهم؟ وهذا تهديد لكم يا أهل مكة، يا مَن تفعلون برسول الله ما فعلتم.

﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ﴾، الذين كفروا في تكذيب، يعني كأنهم من كثرة تكذيبهم لما يأتيهم من الآيات والبينات كأنهم في وسط التكذيب.

قال: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ﴾؛ أي قد أحاط بهم من جميع الجهات، فكيف يظنون أنهم يفلتون من قبضة الله؟ وكيف يفعلون ما يفعلون برسول الله وبالمؤمنين معه؟ ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ﴾.

قال: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾؛ أي هذا القرآن الذي نزل على رسول الله قرآن مجيد كريم وعظيم، ولا يستطيع أحد أن يصل إليه بسوء.

قال: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾؛ أي هو مكتوب في اللوح المحفوظ.

وقد قُرأت محفوظ بقراءتين:

- ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾، إذن مَن هو؟ "محفوظ" هذه صفة لماذا؟ للوح.

- وقُرأت ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٌ﴾، تكون صفة لماذا؟ للقرآن، بل هو قرآن مجيد محفوظٌ في لوحٍ.

بأي القراءتين نأخذ؟ بكليهما، وهذا من فوائد القراءات أنها تبرز لنا معاني إضافية من دون أن يكون في ذلك أدنى تعارض.

بهذا ننتهي ونصل إلى نهاية تفسير هذه السورة الكريمة التي فيها معانٍ عظيمة -نسأل الله أن ينفعنا بها.



ليست هناك تعليقات: