الخميس، 27 نوفمبر 2014

اللقاء الواحد والعشرون | تدارس |

'

لقاءات مجموعة | تدارس 📚 |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس الواحد والعشرون :

سورة الغاشية




وهذه السورة مكيَّة بالإجماع ولم يُختَلَف في كونها مكيَّة أو مدنيَّة، بل هي مكيَّة.
يقول الله -عز وجل-: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾.
"هل" هنا يراد به ماذا؟
 يراد بها التهويل والتفخيم.
كلمة ( هل )هل جاء هذا الحديث الفخيم العظيم وهو حديث الغاشية؟
والغاشية اسم من أسماء يوم القيامة، لأنها تغشى الناس بهولها، وضجيجها، وصوتها، ورعبها المرجف الذي لا يدع شيئًا من الأفئدة إلا ملأه بالخوف والرهبة.
وقد قال بعض المفسرين: إن "الغاشية" هنا اسم للنار، ولا مانع من ذلك، لا مانع أن يكون اسمًا من أسماء النار، لكن أكثر المفسرين من السلف على أن الغاشية هي القيامة.
قال الله -عز وجل-: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾، وقد جاء للقيامة في القرآن أسماء، الحاقة، والقارعة، والصاخة، والطامة، والقيامة، والغاشية، ويوم التناد، وغيرها من الأسماء التي ذكرت ليوم القيامة . 
قال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾، هذا الخشوع مخالفٌ لما كان عليه في الدنيا، فإنه كان في الدنيا لا يعرف الخشوع، فرح، وضحك، ولعب، ولهو، فيأتي يوم القيامة ليكون بضدِّ حاله في الدنيا.ولذلك بعض الناس يقول: يا أخي ما تنظر إلى هؤلاء الذين تصورهم لنا شاشات التلفاز من الغربيين الكفار، دائمًا مبتسمون ضاحكون مستبشرون مسرورون؟
نقول: نعم، وهذا السرور الذي يحصل لهم إنما هو مما يعجله الله لهم من طيبات الدنيا، ولكن يدخر لهم الذل كما قال الله -عز وجل-: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: 45]، جزاءً وفاقًا.
بينما المؤمن نجده دائمًا خائفًا، حتى وهو يعمل الصالحات تجده خائفًا، لماذا؟ يخشى أن يُردّ عليه عمله، يخاف ألا يكون أخلص في عمله، يخاف ألا يُتقبَّل منه، وإذا أذنب بقيَ خائفًا، لأنه يخشى أن يؤاخذ بذنبه، وألا يقبل الله توبته.
قال الله -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: 60]، ولذلك لا تكاد تجد المؤمن إلا يحاسب نفسه، ما أردت إلى هذا؟ ماذا قصدت بهذه؟ دائمًا يحاسب نفسه.
قال الله -عز وجل-: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾

أي في يوم القيامة وفي النار هذه الوجوه وهؤلاء الناس الكفار يعملون عملًا كثيرًا هو جزء من جزائهم وعذابهم، وينصبون نصبًا شديدًا، قد يكونون في الدنيا ممن ارتاح واستلذ، وطابت له الحياة، لا يصوم، لا يصلي، لا يقوم، لا يحج، لا يأمر بمعروف، لا ينهى عن منكر، لا يجاهد في سبيل الله، مرتاح؛ لأن هذه الأعمال فيها مشقة، ولها ضريبة لا نشك في ذلك، ولكن الله -سبحانه وتعالى- يجعل عوضها راحة وسعادة أبدية يلقاها المؤمن إذا بُعث يوم القيامة.
فقوله: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ يراد بها هذا العمل والمشقة الهائلة التي تدخر لهؤلاء في يوم القيامة وفي النار، فهم في النار يجرون السلاسل، ويعملون أعمالًا،
قال: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾؛ أي تُدخَل.
وفي قراءة ﴿تُصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾؛ أي نارًا شديدة.
﴿حَامِيَةً﴾؛ أي حارة شديدة الحرارة.
﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾؛
آنية أي يؤتى لها بشرابٍ من عين حارة شديدة الحارة قد بلغت من الحرارة منتهاها،
قال: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ﴾ ما معنى ضريع ؟!
والضريع عند العرب يُطلق على شجرة اسمها "الشِّبرق"، شجرة من الشوك الذي لا يكاد يؤكل ولا يُنتفع به، فإن من الشوك ما يؤكل ويُنتفع به، تنتفع به البهائم والإبل، وهذا النوع من الشجر لا يُنتفع به، فهذا ما سيكون للكفار، لكن ليس بين ما في النار وما في الدنيا إلا الاسم فقط، وأما الحقيقة فمختلفة تمامًا، كما أن ما في الجنة وما في الدنيا من النعم ليس بينها من الاشتراك إلا في الاسم فقط، وإلا فالحقيقة مختلفة تمامًا.
قال: ﴿لَا يُسْمِنُ﴾؛﴿ولَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ فماهو وصف لماذا ؟!
قال: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ﴾، ثم وصفه بقوله: ﴿لَا يُسْمِنُ﴾؛ أي لا ينفع البدن بالسِّمَن ولا يغذي، ﴿ولَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾، لا يدفع الجوع.
قال الله -عز وجل-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ﴾ 
وهذا هو القرآن مثاني .
وفي سورة الغاشية حديث عن فريق فما هما ؟!
- فريقٍ من أصحاب الوجوه الخاشعة العاملة الناصبة التي تصلى نارًا حامية.
- وفريق آخر من أصحاب الوجوه الناعمة التي أعدَّ الله -عز وجل- لها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال الله -عز وجل-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ﴾، هذه على طريقة القرآن في المثاني، وهي أنه -سبحانه وتعالى- ذكر عذاب الكفار، وذكر في مقابله نعيم أهل الجنة، فوصف الوجوه لأنها إذا ظهرت عليها أثر النعمة والسرور دلَّ ذلك على أن باقي الجسم والنفس والقلب كلها في خير وحبور.
﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾؛ ما معنى هذه الآية ؟!
أي لعملها وكدها الذي كان منها في الدنيا راضية، يعني لجزاء سعيها راضية، فهي الآن ترى جزاء السعي فترضى رضًا شديدًا، الرضى هو منتهى الفرح بالنتيجة.
قال: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾؛ أي رفيعة، وليست سافلة.
﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾، وما معنى لاغية ؟!
لا تسمع فيها كلمة لاغية باطلة مؤذية من اللغو الذي لا ينفع، بل قد يُضر الإنسان سماعه، بل كل الكلام الذي يُسمع فيها كلام طيب، وكلام حق.
قال: ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾؛ أي عيون، فكلمة "عين" هنا اسم جنس يدل على العيون التي في الجنة.
قال: ﴿جَارِيَةٌ﴾، ليست ماكثة وباقية لتأسن ويُصبح فيها الآفات وغيرها، ولكن جارية، وهذا ألذ حتى في النظر.
وهذا من تمام نعيم الجنة
حتى أنها ذكرت وصف للأسرة
قال: ﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ﴾، أكواب مُعدَّة للشراب موضوعة بين أيديه، متى أرادوا أن يشربوا فإنهم يجدون الشراب، ويجدون الكوب الذي يملئونه بما يشاءون من أنواع الأشربة.
قال: ﴿وَنمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾، فما النمارق ؟!
النمارق جمع نمرقة، والنمرقة هي الوسادة.
وانظري كيف يصف الله هذا النعيم
قال: ﴿وَنمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾؛ أي قد صُفَّت صفًّا جميلًا بديعًا رائعًاً 
قال: ﴿وَزَرَابِيُّ﴾؛  فما معناها ؟!
قال: ﴿وَزَرَابِيُّ﴾؛ أي بُسُط.
﴿مَبْثُوثَةٌ﴾؛ أي قد وُزِّعَت في أماكن متعددة، أينما تريد تجلس تجد هذه الزرابي، وتجد تلك الوسائد.
م قال الله -عز وجل- بعد أن ذكر النعيم قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ﴾، الاستفهام هنا يراد به ماذا ؟!
يراد به التبكيت، يعني هذه نذارة الله لكم، وهذا ما وعدتم به، أو حُذِّرتم منه، ما الذي يجعلكم تكفرون؟! أفلم تروا إلى قدرة الله -عز وجل- المبثوثة بين أيديكم؟!
يعني التبكيت يعني مزيد من التندم 
وبدأ بالإبل لقربها منهم، ولكثرة ما فيها من الأعاجيب، فإنها مليئة بالأعاجيب، يعني لو أردنا أن تحدث عن الإبل وما فيها من الأعاجيب لاحتجنا إلى ساعات، وما زال العلماء والعلم إلى اليوم يكتشف في الإبل أشياء عجيبة جدًّا، صبرها على العطش الطويل، كونها تحمل الأثقال وهي جالسة باركة ثم تقوم بها، كونها يُشرب حليبها، يؤكل لحمها، يُركب ظهرها، تهتدي إلى المكان الذي رجعت منه، تعرف صاحبها، تحقد فتنتقم ولو بعد سنين، تعرف الذي يُحسن إليها فتحسن إليه، وأعاجيبها لا تكاد تنتهي.
قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، مَن الذي خلقها هذه الخِلقَة؟ إذن فما الذي يدعوهم الإنكار البعث، وإنكار ما تأتي به يا محمد -صلى الله عليه وسلم- من العجائب في هذا القرآن والحقائق التي لا يجوز إنكارها، ولا يمكن لعاقل أن يشكَّ فيه
قال: ﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴿18﴾ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾؛ أي جُعلت منصوبة عالية.
﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾، فإن قيل: هل الأرض مسطحة؟ قلنا: نعم، هي في نظرنا مسطحة، وإن كانت في جملتها كرويَّة مدوَّرة، لكن في النظر نراها أمامنا سطحًا واضحًا ظاهرًا.
ثم قال الله -عز وجل-: ﴿فَذَكِّرْ﴾ لمن هذا الخطاب ؟!ثم قال الله -عز وجل-: ﴿فَذَكِّرْ﴾، يا محمد، أنت بعد أن أقمت الحجج، وبينت الدلائل، وذكرت المصائر والجزاء، ذكر ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾، هذه مهمتك، ليس عليك أن تخلق الهداية في قلوب هؤلاء؛ بل عليكَ أن تذكرهم، وليس عليك شيء آخر.
﴿لَسْتَ عَلَيْهِم بمُسَيْطِرٍ﴾، لستَ قهَّارًا لهم تجبرهم على الإيمان، وما أنت عليهم بجبار.
﴿إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾، لكن مَن تولى وكفر، ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾
ثم هدَّد بقوله: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾، مرجعهم ومصيرهم إلينا، فنحاسبهم على القليل والكثير، والصغير والنقير والقطمير.
قال: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾، نحن الذين سنتولى حسابهم، وسيعلمون ماذا سنفعل بهم .
وبهذا نصل إلى ختام هذا الدرس، أسأل الله أن ينفعني وإياكم به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات: