الاثنين، 22 سبتمبر 2014

اللقاء التاسع | تدارس |

'

لقاءات مجموعة | تدارس 📚 |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس التاسع :




[ سورة التكوير ]

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْش مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .

اليوم حديثنا عن سورة التكوير
مكية أم مدنية ؟
سورة التكوير سورة مكية، نزلت في مكة، ذكر الله عز وجل فيها آيات وعظات وعبرًا، وجعل التفكير في عجائب صنعه وعظيم خلقه من العبادة العظيمة؛ فإنه سبحانه خلق هذا الكون العظيم بنظام دقيق متناسق لا خلل فيه ولا اضطراب، وذلك من أعظم آيات الله عز وجل وجعل لهذا النظام الدقيق والصنع البديع أجلاً ينتهي إليه حيث تتغير السموات والأرض وتفسد تلك الأجرام الهائلة، وتتغير بعض الكائنات وكل ذلك مؤذن ببدء حياة جديدة هي اليوم الآخر، ذكرها سبحانه في هذه الآيات مبينًا لأهوال القيامة، وما يكون فيها من الشدائد والكوارث، وما يعتري الكون والوجود من مظاهر التغيير والتخريب.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين، فليقرأ {إذا الشمس كورت} و {إذا السماء انفطرت} و {إذا السماء انشقت}  رواه الترمذي.

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ما معنى كورت ؟!
أي: جمعت ولفت، وجعلت مثل شكل الكرة، وهذا يكون يوم القيامة .
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} انكدرت ؟!
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} يعني: تساقطت من أفلاكها، وتناثرت، وقيل: طمس نورها.
{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} أي: أن هذه الجبال العظيمة الصلبة العالية الرفيعة تكون هباء يوم القيامة، تزول عن أماكنها وتسير.

وهذا مما يدل على عظمة الله وعلى هول يوم القيامة الشمس تلف والنجوم تتساقط وتنطفىء والجبال تُسير وتكون كالهباء .

{وَإِذَا الْعِشَارُ} ما هي العشار؟!
العشار جمع عشراء، وهي الناقة الحامل التي تم لحملها عشر أشهر وهي من أنفس الأموال عند العرب؛ لأنها مرجوة الولد واللبن قريبة النفع.

{عُطِّلَتْ} أي: تركت هملاً بلا راع مع نفاستها وعظم قدرها، وذلك لما شاهدوا من الهول العظيم.

وذكرت الإبل دون غيرها لأن الإبل لها قيمة عند العرب يفتخرون بها وينتفعون بها فما كانوا يتركونها ولذلك ذكرت هنا فهم من شدة هول القيامة يتركونها برغم أنها كانت من أنفس أموالهم .

{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} الوحوش جمع وحش، والمراد بها جميع الدواب، بعثت وجمعت ليوم القيامة حتى يقتص لبعضها من بعض، وقيل: حشرها موتها.

{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} ما معنى سجرت ؟!
البحار جمع بحر، وجمعت لعظمتها وكثرتها، هذه البحار العظيمة إذا كان يوم القيامة فإنها تسجر، أي توقد نارًا تشتعل نارًا عظيمة وحينئذ تيبس.

{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} ما معنى زوجت ؟!

النفوس جمع نفس، والمراد بها نفوس الناس كلها فتزوج النفوس يعني يُضم كل صنف إلى صنفه، وقال الحسن، ألحق كل امرئ بشيعته: اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى، والمجوس بالمجوس، والمنافقون بالمنافقين، ويلحق المؤمنون بالمؤمنين.

{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} الموؤدة: هي الأنثى تدفن حية تُسأل يوم القيامة سؤال تطييب لها وتبكيت لوائدها، وكانت العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية مخافة العار أو الفقر.
{بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} هل أذنبت؟ يوبخ قاتلها بسؤالها لأنها قتلت بغير ذنب فعلته.

{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} الصحف جمع صحيفة، وهي ما يكتب فيه الأعمال، تنشر وتفتح وتعرض للحساب.
{وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} هذه السماء العظيمة تكشط، يعني تزال عن مكانها.
{وَإِذَا الْجَحِيمُ} الجحيم اسم من أسماء النار، وسميت بذلك لبعد قعرها وظلمة مرءاها.
{سُعِّرَتْ} أي: أوقد عليها فاستعرت، والتهبت التهابًا لم يكن لها قبل ذلك.
{وَإِذَا الْجَنَّةُ} الجنة دار المتقين.
{أُزْلِفَتْ} يعني: قربت وزينت للمؤمنين.

قيل هذه الأمور الاثنا عشر ست منها في الدنيا، وهي من أول السورة إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} وست في الآخرة وهي: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} إلى هنا.

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} أي: كل نفس تعلم في هذا اليوم الهائل ما معها وما لها وما عليها، تعلم كل نفس ما قدمته من خير وشر.

ولما ذكر الله عز وجل هذه الأحوال العظيمة، والوقائع المتتالية الرهيبة أقسم عز وجل بمخلوقاته على صدق رسوله r، وأن ما نزل عليه إنما هو من كلام الله سبحانه وتعالى وليس من كلام المخلوقين كما يدعي المشركون.

ولما ذكر الله عز وجل هذه الأحوال العظيمة، والوقائع المتتالية الرهيبة أقسم عز وجل بمخلوقاته على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن ما نزل عليه إنما هو من كلام الله سبحانه وتعالى وليس من كلام المخلوقين كما يدعي المشركون.

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْش مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ}.
{فَلَا أُقْسِمُ} أي: أقسم بالخنس.
{بِالْخُنَّسِ} الخنس: جمع خانسة، وهي النجوم التي تخنس، أي رجع، فبينما تراها في أعلى الأفق، إذا بها راجعة إلى آخر الأفق فهي تختفي في أول الليل، فلا تظهر إلا بعد الظلمة.
{الْجَوَارِي} النجوم التي تجري في أفلاكها.
{الْكُنَّسِ} النجوم التي تدخل في النهار إذا طلع، كما يدخل الظبي في "كناسه" أي: بيته.
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} أي: إذا أقبل بظلامه وقيل: أدبر.
{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أي: طلع وأقبل بروح ونسيم، وعم بنوره الأرض، فيكون الله أقسم بالليل حال إقباله، وبالنهار حال إقباله.
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}
{إِنَّهُ} أي: القرآن.

{لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هو جبريل عليه الصلاة والسلام أشرف الملائكة عند الله تعالى، نزل به من الله تعالى، ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه وكثرة خصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة وأعظمهم رتبة عند ربه.
{ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْش مَكِينٍ}.
{ذِي قُوَّةٍ} وصفه الله تعالى بالقوة العظيمة والقدرة العالية.
{عِنْدَ ذِي الْعَرْش} أي: عند صاحب العرش وهو الله جل وعلا والعرش فوق كل شيء، وفوق العرش رب العالمين عز وجل.
{مَكِينٍ} أي ذي مكانة، أي أن جبريل عند الله ذو مكانة رفيعة وشرف عظيم.
{مُطَاعٍ} أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى هناك بين الملائكة يرجعون إليه ويطيعونه.
{ثَمَّ أَمِينٍ} وهو كذلك أمين على ما كلف به من الوحي, فلا يزيد ولما ذكر الله عز وجل فضل الرسول الملكي جبريل الذي جاء بالقرآن ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن ودعا إليه الناس.

{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} أي محمد رسول الله يعني ليس مجنونًا كما تزعمون يا أهل مكة، وذكر محمدًا بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
{وَلَقَدْ رَآهُ} أي: رأى محمد جبريل عليه السلام في صورته له ست مائة جناح.
{بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} الأفق جانب السماء العظيم.
{وَمَا هُوَ} يعني: ما محمد .
{عَلَى الْغَيْبِ} يعني: على القرآن والوحي الذي جاءه من عند الله .
{بِضَنِينٍ} أي: ببخيل، لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التبليغ، بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه.
ولما ذكر سبحانه جلاله كتابه وفضله بذكر الرسولين الكريمين اللذين وصل إلى الناس على أيديهما، وأثنى الله عليهما بما أثنى، دفع عن هذا الكتاب المنزل كل آفة, ونقص مما يقدح في صدقه، فقال سبحانه.
{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} أي: ليس القرآن بقول أحد من الشياطين المسترقة للسمع المرجومة بالشهب.
{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} أي: طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم ووضحت لكم.
{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} أي: القرآن، إلا موعظة وتذكير والمراد بالعالمين من بعث إليهم رسول الله .
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} .
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ} لمن أراد منكم .
{أَنْ يَسْتَقِيمَ} الاستقامة هي الاعتدال لا يميل يمينًا ولا شمالا أن يستقيم على هدى الله في الطريق إليه، بعد هذا البيان، الذي يكشف كل شبهة وينفي كل ريبة، ويسقط كل عذر .
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} يعني لا يمكن أن تشاؤا شيئًا, ومنه الاستقامة ولا تقدرون على ذلك، إلا وقد شاءه الله من قبل وقدره .
{رَبُّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلى عموم ربوبية الله .

وهنا نصل لختام سورة التكوير نسأل الله أن يرزقنا تدبر كتابه .

السبت، 20 سبتمبر 2014

اللقاء السابع ، الثامن | تدارس |

لقاءات مجموعة | تدارس |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس السابع ، الثامن :

[ سورة عبس ]




سبب نزول سورة عبس :
سبب نزول هذه السورة، أو مقدمة هذه السورة هو هذه القصة، وهو أن عبد الله بن أم مكتوم، كان ممن أسلم قديمًا، فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُريد أن يتزكى، ويُريد أن يتعلمَ دينه، وجاء مُقبلًا وهو أعمى، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان مشغولًا بدعوة آخرين من كُفار مكة .
في تلك اللحظة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو هؤلاء وهم معرضون عنه، وكان -عليه الصلاة والسلام- يتمنى لو أن عبد الله بن أم مكتوم لم يأتِ في ذلك الوقت لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يحقر أحدًا من المؤمنين، أو يتأخر عن إجابة طلبه، ولكن الموازنة كانت عند رسول الله في تلك اللحظة تقتضي بمقتضى ما عنده من الحِكمة، أن يقدم شأن هؤلاء الذين يرجو بدخولهم إلى الإسلام نفع الإسلام، وعز المسلمين، ولكن الله عاتبه وقال: يا محمد، إياك أن تُقبل على مَن أعرض عنك، وتدعَ من أقبل إليك.

(عَبَسَ وَتَوَلَّى)  الحديث هنا مع مَنْ؟
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
و( تولى ) تولى عن من ؟!
عن عبدالله بن أم مكتوم

فـ﴿عَبَسَ﴾: أي قطَّب وجهه.
و﴿وَتَوَلَّى﴾: أي أعرض عن هذا الذي جاءه يريد أن يسترشده ويسأله.
عبَّر بضمير الغائب لماذا؟ لماذا لم يقل: "عبست وتوليت"؟ قال: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾؟
أنه أراد ألا يُوحش صدره بالخطاب؛ لأنَّ الخطاب له هجوم على النفس، وأثر ثقيل عليها، فكأنه يتحدث عن شخص غائب فيقول: عبس هو، وتولى هو، ثم قال بعد ذلك :
( أن جاءه الأعمى) فلما ذهبت هذه الوحشة بدأ بالخطاب .
﴿عَبَسَ﴾: أي قطَّب بوجهه، و﴿وَتَوَلَّى﴾: أي أعرض ببدنه؛ لأنه لما أقبل ابن أم مكتوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كره النبي -صلى الله عليه وسلم- مجيئه، ولما جاء يسألُ أو يُريد من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرشده إلى ما أراده؛ أعرض عنه وانشغل بهؤلاء من صناديد قريش، فعاتبه الله -عز وجل-.
العبس خاص بالوجه والتولي بالجسد ..
﴿أَن جَاءَهُ الأَعْمَى﴾أي بسبب أن جاءه الأعمى .
هنا سؤال: لماذا عبَّر عن هذا الرجل أو الصحابي بالأعمى؟ أليس في هذا تعييرًا لهذا الرجل؟ لماذا لم يقل: أن جاءه عبد الله بن أم مكتوم مثلًا؟ أو: أن جاءه ابن أم مكتوم؟
أولًا: ليُبيِّن عذر هذا الرجل الذي جاء إلى رسول الله، هذا الرجل الذي جاء إليك يا محمد له عذر، وهو أنه أعمى، هو لا يدري أنت مشغول أو غير مشغول، وهو صاحب حاجةٍ، فكان يَنبغي لك أن تقضيَ حاجته وأن تعذره؛ لأنه لم يطلع على ما أنت مشغول به.

ثانيًا: ليُرققَ قلبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه وعلى نُظرائِه. وهذه الآية ممكن أن نجعلها حجة في التلطف مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وإعطائهم من الرفق واللين والرحمة أكثر مما يُعطى غيرهم؛ بسبب ما هم فيه من البلاء، فصاحب البلاء يُرحم أكثر من صاحب العافية، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعافينا جميعًا.
فهذا ليس تعييرًا، ما دام يُراد بهذا الوصف معنًى لطيفٌ وجيدٌ، ولا يُراد به العيبُ والتعييرُ، فإنه لا يُعاب ذلك أبدًا.
( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ): أي شيء يدريك لعل هذا الأعمى الذي جاءك يتزكى .
وقوله (يزكى) أدغمت التاء في الزاي فصارت ﴿يَزَّكَّى﴾، وأصلها: يتزكى.
﴿أَوْ يَذَّكَّرُفَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى﴾
هنا ذكر شيئين:
الأول: يزَّكى، الثاني: يذَّكر.

قال العلماء: إن هذا من باب تقديم التخلية على التحلية، فإما أن يتطهرَ من ذنوبه ﴿يَزَّكَّى﴾، وإما أن ينتفع بشيءٍ مما جئتَ به من الوحي والخيرِ والعلم النافع، إما أن يحصل له هذا أو يحصل له هذا، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى﴾.
 ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى﴾، أما هذا المستغني الذي لا يرغب في سماع ما عندك يا محمد، وليس عنده الرغبة في أن يُؤمن، ولا أن يتلقى، بل إنه راغب في فراقك، فما الذي يحملك على أن تَتصدى له؟ 
﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى﴾، إن لم يتزكَّ يا محمد؛ فليس عليك شيء، لن ينالك من الله -عز وجل- لا عقوبة ولا عتاب؛ لأنك قد أديت ما عليك، وهو الذي أعرض بنفسه، فليس عليك شيء إذا لم يتزكَّ.

﴿وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى﴾، من هو الذي جاءك يسعى؟ عبدالله ابن أم مكتوم
وصفه الله بثلاث صفات :
الصفة الأولى ﴿جَاءَكَ﴾، فجاء بنفسه. أما أولئك فأنت جئت إليهم، وذهبتَ إليهم، وتصديت لهم، هذا جاءك طالبًا للهُدى، فالحقُّ أن يُقبل على مَن أقبل، وألا يُؤبَهَ بمن أعرض، هذا هو الأصل، العدل أنك مَن أقبل عليك تُقبل عليه، ومن أعرض فلست مُحاسبًا لو أنه أعرض وتركته.

الثانية ﴿يَسْعَى﴾ أيضًا هذا المجيء مجيء بإقبال ورغبة، ليس عبد الله بن أم مكتوم كان يمشي ثم سمع صوت النبيَّ قال: تذكرت، فيه سؤال يا رسول الله، لا جاء قاصدًا؛ لأن السعي هنا لا ينبغي حمله على سعي البدن، بمعنى الركض أو الشدة في الجري؛ لأن ابن أم مكتوم أعمى، ومثل هذا لا يتصور منه أن يمشي في الأسواق وفي الشوارع بماذا؟ بقوة أو بسرعة.
إذن ما المعنى؟ ﴿جَاءَكَ يَسْعَى﴾؛ أي جاء مهتمًّا حريصًا مقبلًا.

الصفة الثالثة : ﴿وَهُوَ يَخْشَى﴾، جاء ويسعى وأيضًا عنده خشية حَمَلتْه على أن يسأل، وليس سؤاله مجرد استعلام أو تزوُّد من العلم فقط، أو لمجردِ تزجية الوقت، أو لأجل الكلام مع رسولِ الله فقط، كما يفعل بعض المحبين لرسول الله، يريد أن يتحدث مع رسول الله بأي كلام،، لا هذا حمله على السؤال خشيته من الله -عز وجل- يريد أن يعمل، ويريد أن ينفذ.

ما الفرق بين الخوف والخشية ؟!
الخوف فيكون خوفًا، يعني أن تخاف من شيء، عامةً أن تسمع صوتًا مفزعًا تخاف، ما تدري ما هذا الصوت، هل هو صوت رعد يأتي بعده المطر، أو صوت قنبلة أو تفجير، ما تدري.
أما الخشية فتكون لمن علم؛ ولذلك جاء في الآية: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾.

قال تعالى : ﴿فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾، كيف هذا؟ جاء ويسعى، وهو يخشى، ومع ذلك تلهيت عنه، وسمى إعراض النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه ماذا؟ تلهيًا؛ لأنك تركت ما يليق بك مع من أقبل عليك، وذهبت إلى من أعرض عنك، وليس مستمعًا لك، ولا منتفعًا بما عندك، فسمَّاه "تلهيًا".
قال: ﴿فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾، و﴿تَلَهَّى﴾ هذه أصله: تتلهى، لكن حذفت التاء تخفيفًا.

(كَلَّا) يعني لا تفعل مثل هذا، وهذه هي أول مرة يقال في القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم كلا.
(إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) أي: الآيات القرآنية التي أنزلها الله على رسوله تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه.
(فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ) أي: فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ وعمل به ومن شاء لم يتعظ ولم يعمل .

﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ﴾، ما الذي في صحف مكرمة؟ هو الذي جاء في قوله: ﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ﴾. أي هذا موضوع في صحف مكرمة قد أعلى الله شأنها وكرَّمها.

المقصود هو القرآن الكريم

﴿مَّرْفُوعَةٍ﴾؛ أي قد رفعت رفعًا حسيًّا، ورفعًا معنويًّا، ولذلك يستفيد العلماء من هذا أن كتاب الله ينبغي أن يكون دائمًا مرفوعًا. عندما يكون مع الكتب يُرفَع، لما يكون في الأدراج، يوضع في الرف الأرفع تقديرًا له وتعظيمًا، كما أنه في اللوح المحفوظ -أيضًا- مرفوع فوق كل كلام، وكل شيء موجود في ذلك اللوح.
﴿مُّطَهَّرَةٍ﴾؛ أي لا يصيبها شيء من الدنس، ولا يصيبها شيء من الزيادة أو النقص أو التحريف أو التبديل أو التغيير.

 منزهة لا يمسها إلا المطهرون، مصونة عن الشياطين والكفار.
الصحف جمع صحائف، و الصحائف جمع صحيفة، وهي ما يكتب فيه القول.

 ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾، من السفرة هؤلاء؟ 
الملائكة
نعم قال جمهور المفسرين أنهم الملائكة ؛ لأن هذا الوصف قد جاء بهذه الصورة للملائكة في الحديث النبوي، قال: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران».


(كِرَامٍ) أي: كرام على ربهم، كرام في أخلاقهم، كرام في خلقتهم لأنهم على أحسن خلقة وعلى أحسن خلق، كثيرو الخير و البركة.
(بَرَرَةٍ) جمع بر، وهو كثير الفضل والإحسان.

ولما ذكر الله عز وجل في الآيات السابقة أنه جعل هذا القرآن العظيم محفوظًا ومنزهًا عن التحريف و التبديل، وأن السفراء في إيصال هذا الكتاب هم الرسل الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعل للشياطين عليهم سبيلاً وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول.
ذكر سبحانه بعد هذا البيان قبح جريمة الكافر وإفراطه في الكفر والعصيان مع كثرة إحسان الله إليه، وبدأ بذكر ضعف الإنسان ومبدئه ومهانته، ليعرف قدره ويطيع ربه ويصرف العبادة لمستحقها، وأن لا يتكبر و يتجبر.

(قُتِلَ الْإِنْسَانُ).
(قُتِلَ) أي: لعن، وأهلك.
(الْإِنْسَانُ) المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة.
(مَا أَكْفَرَهُ) ما{ استفهامية أي: ما الذي أكفره وأهلكه، أو ما أ شد كفره ومعاندته للحق؟
﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾، يبين الله حقيقة هذا الإنسان الذي كفر، وأنه ضعيف، وأن إمكاناته محدودة، وأنه محتاج إلى الله، ومع ذلك يكفر ويستعلي ويكذب بالله وبرسله، ويرد آيات الله -سبحانه وتعالى-.

﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾، هذا الإنسان مخلوق من نطفة، والنطفة هي: الماء القليل، وهو هذا الماء الذي خلق منه الإنسان، وهو ماء قليل، أيضًا ماذا؟ قذر، خُلق الإنسان منه، فما الذي جعله يتكبر!

والمراد به هنا ماء الرجل الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب يلقيه في رحم  المرأة، فحمل وهو ماء مهين فكيف يتكبر؟
(خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي جعله مقدرًا أطوارًا: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة أو قدر أجله، ورزقه، وعمله وشقي أو سعيد.
﴿ثُمَّ السَّبِيلَ﴾؛ أي طريق خروجه من بطن أمه ﴿يَسَّرَهُ﴾.
﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ﴾؛ لأن بين خروجه من بطن أمه وموته في العادة وقتًا طويلًا، عشرًا، أو عشرين، أو ثلاثين، أو ستين سنة.
﴿أَمَاتَهُ﴾؛ أي قدر عليه الموت.
﴿فَأَقْبَرَهُ﴾، لماذا عبر بعد الموت بالفاء، قال: ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾؟
لُيبين أن الإقبار يكون بعد الموت مباشرة، ولهذا ممكن نأخذ من هذه حكمًا شرعيًّا وهو استحباب الإسراع بدفن الميت وتجهيزه بعد موته، وعدم التأخر بذلك كما يفعل الناس في هذا الزمان.
(ثُمَّ إِذَا شَاءَ) أي: إذا شاء الله عز وجل.
(أَنْشَرَهُ) أي: بعثه وأحياه يوم النشور ليجازيه على عمله.

 ﴿كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾، ﴿كَلاَّ﴾ ردع لهذا الإنسان الكافر، ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ يعني لم يفعل ما أمر به.
قال مجاهد: "يعني ما من أحدٍ يمكن أن يفعلَ كل ما أُمرَ به، بل لا بد أن يُقصِّر الإنسان، وهذا من طبع الإنسان؛ «كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون»".
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) أي فلينظر إلى طعامه من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وهل أحد خلقه سوى الله عز وجل؟
وبعد أن ذكر سبحانه البعث والحساب والجزاء، أعاد الإنسان ليتذكر ويتأمل فضل الله عليه، وفي هذا إظهار العظمة لله عز وجل وبيان بعض نعمه على عباده، وأنه المنعم المتفضل نعمه لا تعد ولا تحصى ثم أرشد سبحانه الإنسان إلى النظر والتفكر في طعامه وكيف وصل إليه! وفي هذا استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عظامًا بالية وترابًا متمزقًا قال تعالى:
(أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا) أنزلنا الماء مصبوبًا من السماء، ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا﴾، شققنا الأرض بالنبات، تكون البذرة داخل جوف الأرض، ثم ما تزال -بضعفها- تقاوم وتدخل تدخل حتى تخرج على ظهر الأرض، ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾
(حَبًّا) كالبر والأرز والذرة والشعير، وغير ذلك من الحبوب الكثيرة.
(وَعِنَبًا) وهو معروف، وهو أدم وعصيره أدم.
وهو من أحسن الفواكه وأعظمها أثرًا على صحة الإنسان، وأكثرها لذة، وأكثرها أيضًا سهولة في جنيه وفي أكله
﴿وَقَضْبًا﴾ ما معناها؟ ما معنى قضبًا ؟
 العلماء يقولون: القضْب هو ما يُقضَب يعني يُقطَع، فكل النباتات التي تُقطَع ثم تعود تسمى قضبًا، فمنه مثلًا: الخس، والكراث، والقت الذي يُوضع للبهائمِ يُسمى القت أيضًا، كله من القضب.

﴿وَزَيْتُونًا﴾، الزيتون معروف، سواء الزيتون في حَبِّه، أو الزيتون فيما يُعصَر منه ويخرج من زيت.

﴿وَنَخْلًا﴾، هذه النخلة المعروفة .
﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾؛ أي وأشجار غُلب، يقول العلماء: الغُلب: هي ذات الجذوع العريضة، والأفنان الملتفة، تسمى غلب، يعني الأشجار العظيمة.

(وَفَاكِهَةً) يعني: ما يتفكه به الإنسان من أنواع الفواكه، كالتين والعنب والخوخ والرمان وغير ذلك.
(وَأَبًّا) الأب: الكلأ؛ نبات معروف عند العرب ترعاه الإبل.
(مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) يعني: أننا فعلنا ذلك متعة لكم، يقوم بها أودكم، وتتمتعون أيضًا بالتفكه بهذه النعم، وذلك مدعاة إلى النظر في هذا النعيم، وأنه من الواجب شكر المنعم، وبذل الجهد في الإنابة إليه، والإقبال على طاعته، والتصديق بأخباره ثم ذكر الله خاتمة المتاع.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) يعني: صيحة يوم القيامة التي تصخ الآذان أي:  تصمها فلا تسمع، وهذا هو النفخ في الصور.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) في ذلك اليوم يفر من أعز الناس إليه، وأشفقهم لديه، وأحبهم إليه، لهول ذلك اليوم، يفر من أخيه شقيقه، أو أبيه أو أمه.
(وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) الأم والأب المباشر، والأجداد أيضًا والجدات، يفر من هؤلاء كلهم.
(وَصَاحِبَتِهِ) زوجته.
(وَبَنِيهِ) وهم أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه والفرار منهم لا يكون إلا لهول عظيم وخطب فظيع.
وقد بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه، ثم بالصحابة و البنين لأنهم أحب.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) كل إنسان في ذلك اليوم مشتغل بنفسه لا ينظر إلى غيره، فحينئذ ينقسم الخلق إلى فريقين: سعداء وأشقياء، فأما السعداء فهم كما ذكر سبحانه.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة.
(مُسْفِرَةٌ) من الإسفار وهو الوضوح؛ لأن وجوه المؤمنين تسفر عما في قلوبهم من السرور والانشراح والبهجة مما عرفوا من نجاتهم وفوزهم بالنعيم.
(ضَاحِكَةٌ) يعني متبسمة، وهذا من كمال سرورهم.
(مُسْتَبْشِرَةٌ) أي: قد بشرت بالخير.
(وَوُجُوهٌ) أي: وجوه الأشقياء، وهذا هو حال الفريق الثاني.
(يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة.
(عَلَيْهَا غَبَرَةٌ) أي: شيء كالغبار؛ لأنها ذميمة قبيحة.
(تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) أي: يغشاها ظلمة وسواد.
(أُولَئِكَ) الذين هذا وصفهم.
(هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي: الذين جمعوا بين الكفر والفجور، والفجرة هم الفاسقون الكاذبون.

والفرق بين الوصفين: أن الكفر قلبي، والفجور عملي.
فجمع لهم بين الوصفين فقال: ﴿أَوْلَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾.

وبهذا نكون ولله الحمد وقفنا على تفسير لسورة عبس







الأحد، 7 سبتمبر 2014

اللقاء الخامس ، السادس | تدراس


لقاءات مجموعة | تدارس |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس الخامس ، السادس :

[ سورة النازعات ]









•• الدرس الخامس :

هذه السورة سورة مكية،
 إن المكي هو ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، وهي بيِّنة بأنها مكية من خلال موضوعاتها وآياتها.
أما الموضوع فهو الحديث عن القيامة، وأما الآيات فهي قصيرة وقوية، وذات دلالات واضحة، ومناقشات بيِّنة لهؤلاء الذين كذبوا بالدار الآخرة، وكذبوا بالبعث والجزاء والنشور.

(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) فما النازعات ؟!!
- هي الملائكة تنزع أرواح الكفار
﴿غَرْقًا﴾، فهي تنزعها نزعًا شديدًا مثلما يجذب الرامي الوتر، أو الحبل المعلق بالقوس حتى يُلقي السهم أو يرمي بالسهم، فكذلك تُؤخذ أرواح الكفار، فهي تُؤخذ أخذًا شديدًا -نسأل الله العافية والسلامة-.
(وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) فما الناشطات ؟!
لما ذَكَر النازعات ذَكَر في المقابل أرواح المؤمنين، فماذا قال؟ ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾.
 يعني هذه الملائكة تأخذ أرواح المؤمنين أخذًا سهلًا رفيقًا كالأنشوطة، أو كالشعرة عندما تخرجها من العجينة، لاحظ الشعرة عندما تخرجها من العجينة، تَسُلُّها سلًّا رفيقًا، لا تسمع لها صوتًا ولا تأخذ حتى أثرًا من العجين.
(وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا، هذا أيضًا صفة لموصوف لا ندري ما هو، لكن الظاهر أنه موافق لما قبله، وهي الملائكة تسبح في هذا الكون لتنفذ أوامر الله -سبحانه وتعالى-.
﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾، أيضًا هذا وصف للملائكة في أنها سابقة، تسبق إلى أي شيء؟
- تسبق بأمر الله ولتنفيذ أوامره وطاعته -سبحانه
(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرً) الملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله .

يقول الله -عز وجل- في بداية هذه السورة: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴿1﴾ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴿2﴾ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴿3﴾ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴿4﴾ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾، هذه خمسة أشياء أقسم الله -عز وجل- بها في مقدمة هذه السورة.
فما جواب القسم ؟!!
حذف ولكن ننظر إلى السورة تتكلم عن ماذا؟ إنها تتكلم عن الجزاء والبعث والنشور.
إذن: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴿1﴾ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴿2﴾ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴿3﴾ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴿4﴾ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾، ماذا؟ 
- لتُبْعَثُـنَّ ولَتُجَازُنَّ بأعمالكم.

﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾، ما الراجفة؟
- هي يوم القيامة .
وهي الدلالة على النفخةِ الأولى التي إذا نَفخ فيها إسرافيلُ -كما بيَّنا في الدرس الماضي- لارتجفت الأرض، فمات الخلق.
﴿تتبعها الرادفة ﴾، سُميت "رادفة"؛ لأنها تأتي رَديفةً للراجفةِ، وهي تابعة لها، وكم بينهما؟ ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: «بينهما أربعون»، قيل: يومًا؟ قال: أبيت. قيل: شهرًا؟ قال: أبيت. قيل: عامًا؟ قال: أبيت، يعني أني أقف عند الذي سمعت، قال: «ما بين النفختين أربعون»، فأنا سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أربعون"، فلا أزيد على هذه الكلمة لا يومًا ولا شهرًا ولا عامًا.
﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾، كأن المعنى: إذا بعثتم فرجفت الراجفة، وأتبعتها الرادفة؛ سيكون هناك قلوب في هذا اليوم واجفة. ما معنى واجفة؟
- الواجفة: مأخوذة من الوجيف وهو شدة الاضطراب، أي خائفة ومترقبة، وأصابها من الذهول والرعب الشيء العظيم.
لماذا وصف القلوب بذلك؟ لأن الوجيف يكون أولًا في القلب، ثم يظهر أثره على سائر البدن، يعني هل البدن يمكن يرتعد من الخوف والقلب لم يحصل به خوف؟ 
هل يمكن ؟!
- لا
ذكر واجفة وصفاً للقلوب قبل الأبدان. 
﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾، نسب الأبصار إلى القلوب؛ لأن الأبصار متعلقةٌ بها، فما يكون في القلب يظهر على البصر، ولذلك يُقال: "الإنسان عينه فَرَارُه"، يعني عينه تفرُّ عما في نفسه، فتُبدي له ما إذا كان الذي أمامها صديقًا أو عدوًّا، مواليًا أو معاديًا.
والنفْسُ تعرفُ من عينيْ محدثها *** إن كان من حِزبها أو من أَعَادِيها
﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾؛ أي ذليلة منكسرة. لماذا ذليلة؟
لأنها تعلم أن المصيرَ شديد، وأنها لم تستعدَّ لهذا اليوم، بل قد كَذَّبت به وقد جاءها البرهانُ والحجة، لكنها كذبت من غير حجة ولا برهان.
﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴿9﴾ يَقُولُونَ﴾، هذا استئناف يُبين اللهُ فيه ماذا كانوا يقولون في الدنيا، هذا هو الذي جَعَلَهم يخافونَ في الدارِ الآخرةِ، وَجَعَلَهم يَرهبون اللقاءَ ذلك اليوم؛ لأنهم كانوا في الدنيا يَقولون:
﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾، يعني أإنا لراجعون إلى الحياة بعد أن متنا.
﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾، سنُرد في الحافرة، سنعود مرة أخرى إلى حياتِنا التي كُنا عليها؟! سنكون أحياءًا بعد الموت؟ هذا شيء عجيب! هذا شيء نُنكره، شيء نكذب به، لا يمكن أن نصدقه، هذا شيء لا نعقله.
﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾، يعني إن رددنا في ذلك اليوم، فتلك الرجعة رجعة خاسرة.
قال الله -عز وجل- مُبينًا أن الأمرَ أيسرُ ما يكون على الله -جل وعلا- وأن هذا الذي استصعبتموه واستثقلتموه وأنكرتموه سيحدث بلا شكٍّ، وأنه ليس شيئًا عزيزًا على الله -عز وجل-.
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾؛ أي صيحة واحدة يصيحها إسرافيل عندما ينفخ في القرن الذي جعله الله -عز وجل- بنفخة البعث.
﴿فَإِذَا هُم بالسَّاهِرَةِ﴾، فإذا هم فوق الأرض التي جعلها الله أرضًا للمحشر والمنشر.
والساهرة: هي الأرض، سُميت ساهرةً؛ لأن عليها سهر الناسِ ونومهم.
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾، والزجرة هي: الصيحة العظيمة التي يكون فيها شيء من الغضب.
وقد ذكر بعض السلف أنه ما مِن يومٍ يُرى فيه اللهُ -عز وجل- أشدَّ غضبًا من اليوم الذي يُبعث فيه العبادُ.
﴿فَإِذَا هُم بالسَّاهِرَةِ﴾، فإذا هم قيامٌ يَنظرون -كما في الآية الأخرى- فوق هذه الأرضِ التي قد جعَلَها الله -عز وجل- مكانًا وموئلًا لحشْر الناسِ ونشْرهم.
هنا انتهى المقطعُ الأول من السورة، يَنتقل بنا إلى مقطعٍ جديدٍ، قد يَستغرب الإنسان لماذا جاء هذا المقطع في ثنايا الحديث عن يومِ القيامة، ولكني أظنُّكم ستَكتشفون ذلك، وأريد منكم أن تسألوا أنفسَكم
كانوا يكذبون أنهم سيبعثون ويتعجبون من ذلك فبين الله لكم ذلك (فإنما هي زجرة واحدة)
﴿هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾، الآن ترك الحديث عن الآخرة، وعن الجنة، وعن النار، وعن مآل المؤمنين، ومآل الكافرين والمكذبين بالبعث، إلى حديث آخر كأنه منقطع تمامًا.
﴿هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾، ﴿هَلْ﴾ هنا استفهام يراد به ماذا؟ يراد به التشويق. هل أتاك قصة موسى عندما دعا فرعون إلى الله -عز وجل-؟
قال: ﴿هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴿15﴾ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾، إذ كلمه الله -عز وجل- على صفة النداء، وقد أخذ العلماء -علماء أهل السنة- بأنَّ كلامَ الله -عز وجل- لموسى كلامٌ حقيقيٌّ، وأنه بصوتٍ يُسمع؛ لأنه ما وصفه بالنداء إلا لأنَّه يسمع.
﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ﴾، واختار وصفَ الربِّ دُون "إذ ناداه الله" ليُبين أنَّ هذا النداءَ كان رحمة، وكان نعمة، فالربوبية دائمًا ملازمة للرحمة والنعمة والعناية والحفظ والرعاية.
﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ﴾، هذه إشارة إلى ماذا؟ إلى الوادي الذي كلم الله فيه موسى، وهو في جانب الطور الأيمن، في ذلك المكان نودي موسى -عليه الصلاة والسلام-. 
قال: ﴿طُوًى﴾، ﴿طُوًى﴾ هذا ما معناه؟ هذا اسم للوادي، ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾، "طوى" اسم للوادي، فكأنه ماذا؟ بدل من قوله الوادي المقدس.
والْمُقدَّس بمعنى: المطهر، ومنه روح القدس أي روح الطهر.
﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾، هذا هو محتوى النداء.
﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾؛ أي اذهب مُكلَّفًا من عندي برسالة إلى فرعون تبلغه بهذه الرسالة، وتأتيه بتلك الآية، وتقيم عليه الحجة.
﴿إِنَّهُ طَغَى﴾؛ أي عَتَا وزادَ في الكفر، وهذا يدل -يا إخواني- على أن الكفار أنواع: منهم من هو كافر، لكنه لم يصل إلى المرحلة التي يتعدى بكفره حتى يدعي أنه هو الله، وأنه ربهم الأعلى، وأنه ما علم لهم من إله غيره، ولا يفعل تلك الأفاعيل العظيمة بالناس فيستحيي نساءهم، ويذبح أبناءهم من غير أن يكون هناك حجة أو برهان أو بينة على هذا العمل الذي يعمله.

وفي هذا المقطع حديث عن تجبر فرعون وما فعله ببني اسرائيل وما أتى به من الطغيان وكيف دعاه موسى عليه السلام .


•• الدرس السادس :

﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿17﴾ فَقُلْ﴾، الله -عز وجل- يُبين له طريق الدعوة، كيف تدعو مثل هؤلاء، وإذا كان هذا في حال الطاغية؛ فحال من دونه من بابٍ أولى، هذا الرجل الذي قال ما قال، وفعل ما فعل مما لم يفعله أحد قبله قل له هذه العبارات.
في سورة طه بَيَّن الوصف، قال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، يعني طبيعة النفس لا تحب أن يَقْصُرَهَا أحدٌ على الحقِّ، ولو كانت تعلمُ أنه حق، وهذا يدلنا على ما أعطيه الإنسان من حب لأن تُحترم ذاته وألا يُهانَ أو يشعر بأنه يُرغم على الحق إرغامًا.
وهنا فائدة في جانب الدعوة وكيفية التعامل مع المدعويين
﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى﴾، ﴿هَل لَّكَ﴾ هذه من باب ماذا؟
قال : هل لك .. لماذا اختار مثل هذا اللفظ ؟!
التودد والترغيب والتحفيز..
﴿هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى﴾ ما معنى ذلك ؟!
تُزكي نفسك وتطهرها من الذنوب ومن المعاصي ومن الأعمال السيئة وتسلك الطريق الزاكية التي توصلك إلى الله وإلى جنته وإلى رضوانه.
﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾، أدلك إلى ربك الذي يربيك وينعم عليك ويعطيك، الذي يرعاك ويحفظ. 
﴿فَتَخْشَى﴾، يعني إذا هديتك إليه حصلت لك الخشية منه.
وهذا من نعم الهداية أن تصل للإنسان الخشية .
﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى﴾ ما معنى ذلك ؟!
أي جاء بالبينة الدالة على أنه صاحب رسالة . قال: ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى﴾؛ أي اليد والعصا.
﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى﴾ كذب بماذا ؟!
كذب بهذه الرسالة فلم يؤمن بها، وعصى فلم يطع موسى -عليه الصلاة والسلام- جمع بين التكذيب وبين العصيان.
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى﴾، يعني تولى يعمل بنشاط وقوة في مقاومة دعوة موسى -عليه الصلاة والسلام- ومقاومة هذا الحق الذي جاء به نبي الله وكليمه موسى -عليه الصلاة والسلام-.
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى﴾، ماذا فعل؟ ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾. 
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴿22﴾ فَحَشَرَ فَنَادَى﴾، حشر الناس ونادى فيهم .
﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، يُقال: أنه قال هذه الكلمة بعد أن قال لهم أول مرة: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: 38].
وقال بعض السلف: إن بين الكلمة الأولى والثانية أربعين سنة.
وهذا يدل على أن الطاغية يسلك مسالكَ في الطغيان يبدأ بكلمة صغيرة، ثم تكبر، ثم تكبر، حتى تصل إلى أن يقول لهم مثل هذه الكلمة التي هو أول من يعلم أنه كاذب فيها، ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾.
قال الله -عز وجل- بعد أن وصل إلى هذه المرحلة العظيمة من الطغيان، قال: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ﴾، وهذا يدل على أن عذاب الله ينزل بعد أن يشتد طغيان الناس، إذا اشتد الطغيان وظهر فإن الله -سبحانه وتعالى- يأتي بالعذاب المستأصل الذي لا يُبقي ولا يذر.
﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾، يعني عقوبة الآخرة أي الحياة الآخرة، وعقوبة الدنيا، أما الدنيا فهو أغرقه، وأراه نجاة عدوه وغرقه وذهاب ملكه، وأما الآخرة فله عذاب شديد سواء في قبره وفي آخرته ومنقلبه إذا بُعث يوم القيامة.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾، إن في ذلك الذي حكيناه لكم وحدثناكم به من عقوبة الله العظيمة البالغة على هؤلاء لعبرة أي عظة لمن يخشى، من كان في قلبه خشية يتعظ.وهذه قضية مهمة جدًّا، وهي أن الموعظة لا تُغير ولا تُؤثر إلا فيمن كان في قلبه ماذا؟ خشية. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾.

طبعاً قلنا في بداية السورة أنه حديث عن يوم القيامة ثم فجأة تحول للحديث عن موسى .
وقلنا هناك رابط بينهم

قال في المقطع الثالث من مقاطع هذه السورة: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾.
السؤال الآن: في أول السورة تحدث عن يوم القيامة، وعن المنكرين للبعث، ورد عليهم أبلغ الرد، وبيَّن أن ذلك سيكون ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ فَإِذَا هُم بالسَّاهِرَةِ﴾، ثم جاءت قصة موسى مع فرعون، ثم عاد مرة أخرى ليستدل على البعث، فيقول:﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾.

سؤال: كيف جاءت قصة موسى متوسطة بين المقطع الأول والمقطع الثالث؟
إليكم الجواب :

أن قريش كانوا يعرفون من أهل الكتاب قصة موسى مع فرعون، فطبعًا الله -عز وجل- أراد أن يذكرهم بأنه قادر، هو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فكما أغرق الله فرعون وعذبه في الحياة الدنيا، فهو قادر على أن يعيد الكرة، فالتاريخ يُعيد نفسه، فأنتم -يا قريش- أمامكم تاريخ يشهد بذلك وأنتم تعتقدون وعرفتم وسمعتم ذلك من أهل الكتاب، فإياكم إياكم .

وهذا تهديد من الله لهم، وتذكير بأنهم إن كذبوا بالدار الآخرة فعقوبتهم كعقوبة هؤلاء الذين كذبوا بما جاء به موسى -عليه الصلاة والسلام- عندما قال الله: ﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى﴾، الله -عز وجل- قال: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾، احذروا أن يأخذكم الله يا من كذبتم بالدار الآخرة وكذبتم بما جاء به محمد أن يأخذكم الله نكال الآخرة والأولى.
ولذلك جاء بعدها فبسط الحديث عن أدلة البعث، وأدلة القدرة فقال: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾، يعني عندما أنكرتم البعث ما الذي حملكم على الإنكار؟ هل لصعوبة هذا على الله -عز وجل-؟ تعالى الله عما تقولون علوًّا كبيرًا.
﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾، السماء العظيمة التي خلقها الله، الكبيرة الواسعة البنيان، العظيمة القبة، هذه السماء الله -عز وجل- خلقها وخلقكم أيسر بكثير منها، سواء خلقكم ابتداء أو خلقكم على وجه الإعادة بعد الموت، فما الذي تستغربونه على الله؟ أو تستنكرونه من فعل الله -عز وجل-؟
﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾، قال مبينًا ماذا حصل للسماء، قال: ﴿بَنَاهَا﴾، ثم بين ما هو البناء الذي حصل قال: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾؛ أي رفع بناءها ومكانها، وسواها أي أحكمها حتى أصبحت بناءً مُحكمًا لا ترى فيها شيئًا من خلل أو عوج أو فطور أو شقوق أو نحو ذلك.
﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾؛ أي أظلم ليلها، جعله مظلمًا، ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾؛ أي جعل لها نهارًا يخرج من رحم الليل.
﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾، والأرض العظيمة الضخمة الهائلة التي نحن نعيش فوقها، الله -عز وجل- هو الذي دحاها. 
ما معنى ﴿دَحَاهَا﴾؟ فُسِّرت بعد ذلك بقوله: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾، دحوها هو أن يكون فيها العمل الذي عمل عليها من شق الأنهار والجبال، ونبات الأشجار، وحصول المراعي، هذا هو دحوها، وهذا من تفسير القرآن بالقرآن.
خلق الله الأرض، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، فدحو الأرض جاء بعد خلق السماء، ولذلك قال هنا: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ﴿27﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴿28﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿29﴾ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾، صار ضحو الأرض تاليًا لبناء السماء، أما خلق الأرض فهو سابق لبناء السماء.
قال: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴿31﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾، ثم بيَّن حكمة ذلك فقال: ﴿مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾؛ أي جعل الله لكم ذلك متاعًا تتمتعون به أنتم، وتتمتع به أنعامكم.
ولاحظوا -يا إخواني- عندما ذكر الماء والمرعى وغيرها سوَّى بيننا وبين الأنعام ليبين أنكم إذا اكتفيتم بذلك فأنتم والأنعام سواء، لكن إن ترفعتم فآمنتم وأطعتم واستجبتم لأمر الله فلن تستووا مع هذه الأنعام.
ولذلك قال: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴿31﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿32﴾ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾، فلو اكتفى الإنسان بمجرد المتاع، الأكل والشرب والنكاح وما إلى ذلك فهو بمثابة الأنعام، لكن إن قبل رسالة الله واستجاب لأمر الله، وأطاع الله -جل وعلا- فيما أمره به فإنه يرتفع بذلك إلى الملأ الأعلى.
﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ﴾، الآن يُبين جزاء هؤلاء وهؤلاء بعد البعث، قال: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾، ما الطامة؟ ما الطامة؟ القيامة، الطامة هي القيامة.
ولها أسماء في القرآن كثيرة: الصاخة، والطامة، والحاقة، والقيامة، وغيرها من الأسماء، وكلما كان الشيء عظيمًا كثرت أسماؤه.
طيب.. من أين جاءت كلم الطامة؟ قالوا: لأنها تَطم ما سواها، أي تغطي على كل شيء سواها من شدة هولها، فلا يسمع لها حس ولا صوت ولا يُرى شيء إلا هي من شدة هولها وعظمتها.
﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى﴾؛ أي في ذلك اليوم يتذكر كل واحد منا سعيه، إن كان خيرًا وإن كان شرًا.
قال: ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى ﴿35﴾ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى﴾؛ أي في ذلك اليوم تتذكر سعيك إن كان عملًا صالحًا وإن كان سيئًا، وذلك لشدة الهول، فأنت تنسى ما كنت فيه من النعيم، ما فيه من الرزق، ما عندك من الأولاد، ما عندك من الزوجات، أهلك، أقرباءك، كل هذا يُنسى ولا يبقى إلا شيء واحد وهو سعيك، عملك الذي عملته وقدمته.
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾؛ أي أُظهرت وأُبينت، ﴿لِمَن يَرَى﴾، فيعم الخوف أرجاء المكان، ويهاب الناس أن يحصل لهم هذا المصير، أو يكون لهم هذا المآل -نسأل الله العافية والسلامة-.
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى﴾، عاد مرة أخرى إلى ماذا؟ إلى موضوع الطغيان الذي ذكره في قصة فرعون ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾.
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى﴾؛ أي زاد في الكفران والعناد والعصيان والتكذيب، ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾؛ أي قدمها وقربها، وجعلها مؤثرة عنده، فلم يستعد للآخرة ولم يعمل لها، وإنما جعل المؤثر والمقدم والمقرب هو الدنيا.
﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾؛ أي مأواه يوم القيامة ومآله إلى الجحيم، ولا مآل له سواه.

ثم لما انتهى من عقوبة الكفار والمكذبين انتقل إلى جزاء المؤمنين، وهنا كذلك، قال: ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، المأوى أي المآل والمثاب الذي يثوب إليه هؤلاء الكفار.
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾، من خاف مقام الله أي صار عنده هيبة من الله -عز وجل- وخوف من لقاء الله -عز وجل- يخاف إذا لقي الله أن يلقاه مكذبًا، وأن يلقاه عاصيًا، وأن يلقاه ساعيًا في الباطل كما حصل من فرعون الذي أدبر يسعى وحشر فنادى من أجل أن يُجلِب على الحق بخيله ورجله.
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾، نهى نفسه عما تهواه، طبعًا الذي يهواه الإنسان شيئان:
- إما أن يهوى شيئًا أباحه الله له.
- وإما أن يهوى شيئًا قد حرمه الله عليه.
الهوى ليس بذاته مذمومًا، ولكن لكونِ كثيرٍ من الهوى مذمومًا؛ صار إطلاق الهوى في القرآن غالبًا على هذا المذموم، وإلا أنا أهوى الطعام، أهوى المنام، أليس كذلك؟ هذا الهوى لا يلام الإنسان عليه، لأنه هوًى يوافق ما أباحه الله وما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
لكن المقصود هنا: ﴿وَنهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾؛ أي الهوى الذي يخالف أمر الله ويكون فيه معصية لله.
وسمي الهوى -كما يقول بعض العلماء- سمي الهوى؛ لأنه يَهْوِي بصاحبه في دَرَكاتِ الشقاء والسفول والباء.
قال: ﴿وَنهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.
إذن:
- أن تخاف مقام الله، وإذا خفت مقام الله؛ فإنك لا يمكن أن تتأخر عن أمر أمرت به، ولا يمكن أن تبقى في مكان نُهيت عنه.
ثم ختمت السورة بالسؤال أو بطرح مشكلة دائمًا يطرحها الكفار على النبي -عز وجل- عندما يذكرهم بالقيام وبالجزاء والبعث، يقولون له: متى الساعة؟ هل تخبرنا عن القيامة؟ متى الساعة؟ ويأتي الجواب صريحًا وواضحًا: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾، متى موعدها؟ متى تأتي؟
قال الله -عز وجل-: ﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾، ليس شأن الساعة وقيامها من شأنك، ﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴿43﴾ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾؛ أي مستقرها ومنتهى علمها إلى من؟ إلى الله؛ لأن الله قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَينَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان: 34]، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: 187]، والمقصود بالساعة إذا وردت في القرآن: أي وقت قيام الناس من قبورهم.
قال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿42﴾ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴿43﴾ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾؛ أي علمها إلى الله -عز وجل- هو الذي يعلمها ويعلم متى تقوم.
﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ﴾، المهمة التي بعثناك بها، وأرسلناك لتحقيقها هي: النذارة. 
فإن قلت: لمَ لم يقل: إنما أنت منذر ومبشر؟ لأن الحديث هنا عمن؟ عن قوم يكذبون، وعن قوم قد عصوا وكذبوا ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقدم صفة النذارة وأفردها، وإلا فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- نذير وبشير.
قال: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾، طيب هنا سؤال، وهو سؤال مهم جدًا: الرسول -صلى الله عليه وسلم- منذر لكل أحد، للثقلين الإنس والجن، المؤمن والكافر، فلماذا خصَّ من يخشاها؟ قال: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾؟
لكون الموعظة تنفع من يتذكر ويخشى الله -عز وجل- بخلاف من لا يتقي ولا يخشى فهو لا تنفعه النذارة ولا البشارة .
وهذا مثل قول الله -عز وجل- في سورة "ق" ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45]، مع العلم أن القرآن يذكَّر به الجميع، لكن الذي يخاف الوعيد هو الذي ينتفع، ولكونه ينتفع يُقال: ذكره بالقرآن، أو انذر بهذه القيامة من يخشى النار أو من يخشى الله -سبحانه وتعالى-.
﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴿45﴾ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾، يُصور الله حالهم عندما يرون القيامة التي كذبوا بها، ويرون الساعة التي أنكروها، ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾.
يقولون -وهم يتذكرون ما سلف من حالهم وحياتهم وغناهم وعيشهم الطويل في الدنيا-: والله ما لبثنا إلا سويعات، كأننا لبثنا جزءًا من النهار، أوله أو آخره؛ لأنَّ هذا الذي نمرُّ به يا إخواني كله يصبح شيئًا يسيرًا في عالم الماضي، أو في عالم المتذكر لما وقع منه في الدنيا.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعني وإياكم بالقرآن، وأن يجعلني وإياكم جميعًا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

اللقاء الثاني ، الثالث ، الرابع | تدارس |

لقاءات مجموعة | تدارس |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس الثاني ، الثالث ، الرابع :

[ سورة النبأ ]


•• الدرس الثاني :
* حديثنا اليوم عن سورة النبأ
فمن تعرف ما المقصود بالنبأ ؟!
- الخبر 
نعم .. صحيح 
* وفي السورة النبأ العظيم ماهو ؟
اختلف المفسرون ما هو النبأ العظيم؟ هل هو القرآن أو يوم القيامة؟ فمن العلماء من قال ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾: هو القرآن، واستدلوا على ذلك بقول الله -عز وجل- في سورة ص: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴿67﴾ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: 67، 68].
قالوا: ما دام الله وصف القرآن بأنه نبأ عظيم، إذن فنحمل هذه الآية على أن المراد بالنبأ العظيم هو القرآن.
والقول الثاني: أن النبأ العظيم هو يوم القيامة، لماذا قالوا يوم القيامة؟ قالوا: لأن الحديث كله في السورة -كما شاهدنا- عن يوم القيامة، ولا شك أنَّ دليل السياق من الأدلة القوية التي نَستند إليها في ترجيح قول على قول.
يبقى أنْ نخبركم بأنه لا مانعَ أن يكون النبأ العظيم هما جميعًا، ويمكن أن نصوغ هذين القولين بهذه الصياغة، نقول: النبأ العظيم هو القرآن الذي جاء بيومِ القيامة؛ لأنَّ من أعظم أخبار القرآن التي أنكرها المشركون، هو خبر يوم القيامة، وبهذا نقول: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ عن القرآن الذي جاء بيوم القيامة.
- ندخل إلى التفسير:
(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) عن أيِّ شيء يسأل بعض كفار قريش بعضاً؟ إنهم يتساءلون عن شيء ينكرونه، ويُكذبون به .
(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) عن هذا النبأ الذي جئتَ به -يا محمد- وهو القرآن العظيم الذي جاء بيوم القيامة .
(الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) اختلفوا فيه، فمنهم من يظنه ظنًّا، ومنهم من يُكذب به، ومنهم من يُؤمن به .
(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) هذا شيء يُنكر، كلا؛ ليس الأمر كما تقولون، ﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ أن هذا حق، وأنه كائن بإذن الله -عز وجل-.
(ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) تأكيد لهذا الذي ذُكر في الآية الأولى، من باب التشديدِ عليهم، كيف تختلفون في أمر واضح الدلالة؟ .
سيعلم هؤلاء المشركون عاقبة تكذيبهم، ويظهر لهم ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم سيتأكد لهم ذلك، ويتأكد لهم صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من القرآن والبعث وهذا تهديد ووعيد لهم.
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) ألم نجعل الأرض ممهدة لكم كالفراش؟ وهذه دلائلُ قدرة الله .
(وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) الجبال رواسي؛ كي لا تتحرك بكم الأرض .
(وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) وخلقناكم أصنافا ذكرا وأنثى .
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم، فيه تهدؤون وتسكنون .
 (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) وجعلنا الليل لباسًا تَلْبَسكم ظلمته وتغشاكم، كما يستر الثوب لابسه .
(وَجَعَلْنَا النهَارَ مَعَاشًا) وجعلنا النهار معاشا تنتشرون فيه لمعاشكم، وتسعَون فيه لمصالحكم .

•• الدرس الثاني :
سورة البنأ سورة مكية والمكي بجملته يهتم بالاعتقاد وتأسيسه، ونلاحظ أنه يتميز أيضًا بقوة أسلوبه، وخطابه الواضح والصريح، وحواره للكفار والمشركين في عقائدهم، وما يتبنَّونه من أطروحاتٍ وعقائدَ فاسدةٍ، يناقشها نقاشًا قويًّا وصريحًا ومباشرًا.
وفي سورة البنأ حديث عن قدرة الله وذلك في قولة ألم نجعل الأرض مهادا .
وحديث عن يوم القيامة في قولة 'إن يوم الفصل كان ميقاتا'
وحديث عن الجزاء 'إن جهنم كانت مرصادا'
وكذلك : 'إن للمتقين مفازا'
(وَجَعَلْنَا النهَارَ مَعَاشًا) جعلنا النهار محلًّا لمعاشِكم، فأنتم تَطلبون الرزق وتضربون في الأرض وتبحثون عن المعاش في وقت النهار .
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) ماهي السبع الشداد ؟
- السموات
لم يذكر لنا ما هي السبع، هل هي سبع نجوم، ولا أفلاك، ما ذكرها، لكنها معلومة، ومعروفة في فطرة كل واحد منا، ما هي السبع الشداد؟
{السموات السبع}.
ولذلك ما ذكرها اكتفاء بالعلم بها، لأن كل إنسان يعلم ما هي هذه السبع.
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا) شدادا : قوية متماسكة متينة البناء محكمة الخلق، لا صدوع لها ولا فطور .
(وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) سراجاً تعني ماذا ؟!
- الشمس 
ولماذا لم نقل أن المقصود بـ سراجاً هو القمر ؟
قال "سراجًا"؛ لأن السراج يجتمع فيه شيئان، الأول: الإضاءة، والثاني: الحرارة، وهكذا الشمس، ولذلك وصف القمر في القرآن بأنه نور، ووصفت الشمس بأنها سراج، لكي تتضمن الإضاءة أو الإنارة والحرارة، أما القمر فجُعل نورًا لأنه يقبس نوره من الشمس، وهو يعكس ضوء الشمس.
قال الله -عز وجل-: ﴿وَهَّاجًا﴾ أي متوهجًا ومتوقدًا، وهكذا نرى الشمسَ، بحيثُ إنَّ الإنسانَ لا يَستطيع أن يركزَ فيها النظرَ أو يصمد لها خصوصًا في وقت الحرِّ، أو إذا قربت من رؤوس الناس .
(وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) ماهي المعصرات ؟!
- السحاب
وأنزلنا من السحب الممطرة ماء منصَبّا بكثرة .
(لنُخرجٓ به حٓباً ونبٓاتاً وجٓناتٍ ألفٓافا) لنخرج به حبًا مما يقتات به الناس وحشائش مما تأكله الدَّواب، وبساتين ملتفة بعضها ببعض لتشعُّب أغصانها .
قال: ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾؛ أي حدائق مُلتفَّة، هذه الحدائق من خَلَقَها؟ من كونها؟ من أنبتها؟ من أخرجها من داخل الأرض وباطنها؟ من الذي أنتجها من تلك الحبوب أو البذور الصغيرة، وجعلها أشجارًا عظيمةً وجعل فيها هذه الفواكه النضرة وهذه الألوان الجميلة؟ الله وحدَه.
الله الذي خلق هذا كله، هل يُمكن أن يُوصف بأنه عاجزٌ عن إعادتكم بعد موتكم؟ وبأنه لا يَقدر على أن يُحييَ الناس بعد أن يموتوا، أين عقولكم يا أهل مكة؟ أين عقولكم يا مشركي العرب؟ 
بعد أن ذكر هذه الدلائل العظيمة الدالة على قدرته، وعظمته، ونعمته على عباده، والقاطعة والمانعة للتكذيب بيوم القيامة قال: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا﴾
إن يوم الفصل بين الخلق، وهو يوم القيامة، كان وقتًا وميعادًا محددًا للأولين والآخرين .
وذكر في بدايتها 'إن' للتأكيد لأن الخطاب كان موجهاً للكفار والمشركين الذين ينكرون البعث .
(يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) أي في ذلك اليوم ينفخ في الصُّورِ، من الذي ينفخ في الصور؟
- إسرافيل
{فِي الصُّورِ} الصور هو قَرْن عظيم جدًّا خَلَقَه الله -عز وجل- لينفخ فيه إسرافيل، فإسرافيل ينفخ فيه نفختين، النفخة الأولى نفخة للصعقِ، يموت من على وجهِ الأرض، والنفخة الثانية للبعثِ، كل من مات بالنفخة الأولى أو قبلها يحيى بالنفخة الثانية.
﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾؛ يعني إذا نفخ جئتم أفواجًا إلى أرض المحشر والمنشر.
(وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) أي صارت أبوابًا يخرجُ منها أهلُ السماء فكانت ذات أبواب كثيرة لنزول الملائكة.
(وسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) ونسفت الجبال بعد ثبوتها، فكانت كالسراب.
وهنا ذكر أهوال يوم القيامة وذكر لذلك الموقف العظيم نسأل الله النجاة فيه .
ثم بعد ذلك قال تعالى :
(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم وقال "إن" للتأكيد .
(للطَّاغِينَ مَآبًا). ماهو الطغيان ؟!
- تجاوز الحد في العصيان 
'مآبا' مرجعاً لهم ومقراً أي أن جهنم مرجعاً لهم نسأل الله السلامة .
(لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع .
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا ولَا شَرَابًا) أي ماءً يُبرد حرَّ أجوافهم، فهم لا يذوقون البرد الخارجي والبرد الداخلي، لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم، ولا شرابًا يرويهم . نسأل الله السلامة.
(إلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) إلا ماءً حارًا، وصديد أهل النار .
(جَزَاءً وِفَاقًا) أي موافق لأعمالهم.
(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) هذا هو سبب العذاب، والقرآن من عادته أنه إذا ذكر العذاب يبين السبب، وإذا ذكر النعيم يبين ما هو السبب؛ حتى نقتدي ونعمل، ونتقي أسباب العذاب.
(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا)؛ أي يكذبون بيوم القيامة.
(وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا)؛ أي كذبوا بهذه الآيات التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكذيبًا من غير حجة ولا بينة.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) قد أحصينا أعمالهم إحصاء دقيقًا، والإحصاء هو العد الدقيق، لم يفتنا من أعمالهم شيء، كما قال الله: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
(فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا)؛ أي ذوقوا هذا العذاب، فلن تجدوا بعده إلا عذابًا أزيد منه، وإن قال بعض العلماء هذه الآية أشد شيء في القرآن.
قالوا أنها الأشد لأن العادة أن من يسجن أو يعذب يبدأ بالعذاب.... ثم يخف عنه العذاب شيئًا فشيئًا فشيئًا حتى يُفرج عنه، أما في نار جهنم فإنه في كل يوم يُعطى لونا أزيد من اللون الذي قبله.
نسأل الله العفو والسلامة.

•• الدرس الثالث :
بعد أن ذكر قدرك الله وذكر يوم القيامة وذكر أهوالها ثم ذكر جزاء هؤلاء المكذبين من أهل النار والحديث عن جهنم ذكر الحديث عن المتقين أسأل الله أن نكون منهم .
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) إن للذين يخافون ربهم ويعملون صالحًا، فوزًا بدخولهم الجنة.
(حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) إن لهم بساتين عظيمة وأعنابًا .
(وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) ما هي الكواعب؟!
- جمع كاعب، وهي الفتاة الشابة التي تَكَعَّبَ ثديها، يعني لا زال ثديها في بداية نُشوئه .
ومعنى الآية ولهم زوجات حديثات السن ﴿أَتْرَابًا﴾؛ أي في سنٍّ واحدة .
 (وَكَأْسًا دِهَاقًا) الكأس يطلق عند العرب على الخمر، و﴿دِهَاقًا﴾ يعني ممتلئة، وقد وصفها بعض العلماء: قال ممتلئة ومتتابعة وصافية.
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لٓغْواً وٓلآ كذاباً)؛ أي في الجنة، التي فيها الحدائق والأعناب ﴿لَغْوًا﴾ أي كلامًا فارغًا، ﴿ولا كذابًا﴾.
(جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا)؛ أي كافيًا.
وعدم سماعهم لٓألغو من النعيم سبحان الله في الجنة وهذا النعيم كله من عند الله سبحانه .
(ربِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابا)  أي لا يتحدث أحد في ذلك اليوم إلا أن يأذن له الله -سبحانه وتعالى- من هول الموقف وهو يوم القيامة من شدة الخوف والهول إلا أن يأذن الله .
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا) مامعنى الروح ؟
- جبريل عليه السلام 
وذلك أن الله قد سماه في سور عده (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) فالأرجح هنا أن الروح هو جبريل عليه السلام يوم يقوم جبريل عليه السلام والملائكة مصطفِّين .
(لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) أي قال: كلامًا حقًّا وأعظمه وأجله: لا إله إلا الله.
لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن في الشفاعة، وقال حقًا وسدادًا .
(ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ) الثابت الذي لا شكَّ فيه، 
(فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) من شاء اتخذ طريقًا موصلا إلى الله بالعمل الصالح عملاً صالحاً خالصا لله وكما شرعه الله .
وثم بعد ذلك ختام السورة فقال سبحانه :
(إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا) أي حذرناكم عذابًا قد أزف، فكل ما هو آت فهو قريب.
القريب الذي يرى فيه كل امرئ ما عمل من خير أو اكتسب من إثم .
(يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) ينظر إلى عمله الذي قدمه لتلك الدار فإن كان محسنا فرح بإحسانه، وإن كان مسيئا استاء لما عمل، أو ما قدم من سوء.
(وَيقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) يعني لم أخلق أصلًا، أو ليتني بعد إذ حوسبت أكون ترابًا، كما يرى من البهائم عندما يقتص الله لبعضها من بعض، ثم يقول لها كوني ترابًا، فتكون ترابًا، فيتمنى الكافر أن يكون مثلها.
وذلك لشدة الحسرة والندامة على الكفار في ذلك الموقف .
نسأل الله أن يوقفنا للعمل الصالح الخالص لوجهه الذي يرضيه عنا .

السبت، 23 أغسطس 2014

اللقاء الأول من لقاءات ( تدارس )

لقاءات مجموعة | تدارس |
 في تطبيق لاين [line] 
الدرس الأول :


نبدأ مستعينين بالله متوكلين عليه سائلينه أن يهدينا للصواب ويلهمنا قول الحق ~
في الحديث الذي يرويه مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : ' القرآن حجة لك أو عليك'
فمن قرأ كتاب الله وتدبره وفهمه على مراد الله نال بذلك الخير والفلاح من ربه .
وقد قال الحسن: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونهابالليل وينفذونها بالنهار'
نعم أتبعوا الفهم والعلم عملاً فعرفوا دينهم 
وواهتدوا إلى طريق الحق والصواب '
والله يقول عن كتابة: 'هدى للمتقين'
فمن تبحث عن طريق الهداية فلتبدأ بكتاب الله تقرأه وتتدبره وتفهم مراد ربها منه فهو رسالة إلهية .
ولتحذر أن في ذلك الفهم السقيم الذي جعل البعض يتخذ آيات كتاب الله دليلاً إلى هواه .
ولا تتعجبوا من ذلك فكم من أهل بدعة فهموا كتاب الله على غير مراده فقادهم ذلك إلى الضلالة .
وفي مقابل ذلك أنبه إلى أمر مهم وهو أن نتعلم كتاب الله ونفهم دينه ونعود إليه كما أراد الله من ذلك .
فلقد تعصب أناس إلى دينهم والدفاع عنه حتى خالط قلوبهم تعصب إلى رأيه فبحثوا عن الآيات لا لأجل أن يستدلوا بها ولا ليبينوا شرع الله ولكن لأجل أن  يثبتوا حقيقة رأيهم فخالط قلوبهم الهوى فضلوا .
ومن هنا أردت أن أسوق هذه الكلمات لعلنا نبدأ على منهج سليم ونسأل الله أن يهدينا للحق ويدلنا عليه .
فنقف على آياته ونفهما على مراده سبحانه ..
ونستعين بالله ونبدأ بسورة الفاتحة ~
الجميع لا يجهل هذه السورة والكل يحفظها وهنا أسأل ماذا تعرفون للفاتحة من أسماء غير الفاتحة ؟



سورة الفاتحة :

سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة; لأنه يفتتح بها القرآن العظيم، وتسمى المثاني; لأنها تقرأ في كل ركعة، ولها أسماء أخر.
أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به، (اللهِ) الرب -تبارك وتعالى- المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه.
(الرَّحْمَنِ) ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق، (الرَّحِيمِ) بالمؤمنين، وهما اسمان من أسمائه تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله.

الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه، فهو المستحق له وحده، وهو سبحانه المنشئ للخلق، القائم بأمورهم، المربي لجميع خلقه بنعمه، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.

(الرَّحْمَنِ) ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق، (الرَّحِيمِ) ، بالمؤمنين، وهما اسمان من أسماء الله تعالى.

وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة، وهو يوم الجزاء على الأعمال.
وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.

إنا نخصك وحدك بالعبادة، ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة.
وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.

دُلَّنا، وأرشدنا، ووفقنا إلى الطريق المستقيم، وثبتنا عليه حتى نلقاك، وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته، الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.

طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، فهم أهل الهداية والاستقامة، ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، وهم اليهود، ومن كان على شاكلتهم، والضالين، وهم الذين لم يهتدوا عن جهل منهم، فضلوا الطريق، وهم النصارى، ومن اتبع سنتهم.
وفي هذا الدعاء شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام، فمن كان أعرف للحق وأتبع له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام، فدلت الآية على فضلهم، وعظيم منزلتهم، رضي الله عنهم.
ويستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: (آمين) ، ومعناها: اللهم استجب، وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.

في هذه السورة وبعد أن قرأنها ورأينا تفسيرها

- جمع لأقسام التوحيد الثلاثة :
الربوبية والألوهية والأسماء والصفات
الربوبية في قوله من تعرف ؟
{رب العالمين}
الألوهية في قوله ؟
{الحمد لله} و {إياك نعبد وإياك نستعين}
الأسماء والصفات في قوله ؟
{الرحمن الرحيم}

وهنا نجد التوحيد في هذه السورة وتقرير لأمر من أمور العقيدة .
وهنا أمر ينبغي أن نستشعره في كل صلاة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تعالى : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : مجدني عبدي ، وقال مرة : فوض إلي عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وفي رواية : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة .


~ وهنا وقفات جمعتها من كتيب جميل سأرفقها صور لضيق الوقت ولك ستجدون فيها شرح وافياً وسأرفق معها صورة الكتيب لمن أرادت الرجوع له .
•• كيف يسأل المسلم الله الهدايه في كل صلاة وهو مهتد ؟
فهو يقول في كل صلاة 'اهدنا الصراط المستقيم'






والكتيب الذي أحيلكم له هو هذا الكتاب :


وهنا نصل إلى نهاية درسنا اليوم 
ودرسنا القادم بإذن الله سورة النبأ ..

..

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

- [ مـوقــــع للفــــــتوى ] 📌


وهو موقع :
الشيخ: د. خالد عبدالله المصلح
ويعمل محاضراً في قسم الفقه 
في كلية الشريعة في جامعة الإمام 
محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم.
وأحد تلاميذ الشيخ ابن عثيمين وصهره رحمه الله .

- وهنا الرابط المباشر لقسم الفتوى :
http://almosleh.com/ar/fatwa_add.php

شرح لكيفية كتابة السؤال :
- بعد االضغط على الرابط الذي في الأعلى تظهر لك صفحة كما في الصورة :

 - في خانة اسم السائل ضعوا أي اسم لا يشترط الإسم الحقيقي
- وفي خانة ايميل السائل هذه الخانة مهمة جداً جداً لأن الرد سيأتيك على الإيميل
فلابد يكون هذا الإيميل يعمل لديك .
- بعد ذلك اختاروا الجنس وذلك بالضغط على كلمة [ ذكر ]  كما في الصورة التالية :

- بعد ذلك اختاروا البلد ولا ليس شرطاً إختياره 
لكن لو أحببتم ذلك وذلك بالضغط على كلمة [ لا يوجد ] كما في الصورة :

- بعد ذلك اختاروا تصنيف السؤال إن استطعتم ذلك وليس شرطاً اختيار بإمكانكم تركه كما في الصورة :

- بعد ذلك نأتي إلى عنوان السؤال وهو مهم جداً فلا بد من وضع عنوان يدل على السؤال ولا يكون عنوان مبهم وتحت مباشرة يكون السؤال كما في الصورة :
 - بعد الانتهاء اضغطوا على كلمة [ اضافة ] والتي تكون تحت خانة السؤال مباشرة 
كما في الصورة :

- بعد ذلك سيظهر لك على الشاشة كالتالي :

- انتظروا حتى ينقلكم إلى هذه الصفحة :
- صورة مقربة :

- لاحظوا رقم الفتوى احتفظوا به وذلك في حالة عدم وجود رسالة على البريد بإمكانك البحث عن الفتوى عبر هذا الرقم فكل سؤال يكتب في الموقع يكون له رقم في حالة احتجتم للبحث عنه .

الرسالة الواردة من الموقع
بعد قرابة يوم أو يومين ||

سيأتيك رد من الموقع على بريدك قد يكون في صندوق غير هام أو البريد المزعج 
ستكون كالتالي :
ستجدون في الرسالة سؤالكم وكذلك رد الشيخ حفظه الله عليه .
وسيكون هناك رابطين الأول في حالة أحببتم كتابة سؤال آخر 
وبالضغط عليه سينقلكم لقسم الفتوى وخانة السؤال التي شرحناها سابقاً .

وأما الرابط الآخر فستجدون به فتواكم والرد عليها في الموقع كما في الصورة : 


وجزيتم خيراً ||