وقفات مع القرآن 🌱
•• وقفة تدبر
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾
ومعنى ذلك أنه ليس لإنسان حق أن يفتخر بشيء منحه الله إياه من دون جهدٍ، ومن دون ذكاء وطلبٍ وسعيٍ، فإنسان خلقه الله طويلاً، وهذا قصيراً، وهذا أبيض اللون وهذا أسمر اللون، هذه أشياء من خلق الله عزَّ وجل لا تُتَّخذ عند الله مقياساً للرفعة إطلاقاً.
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ' ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
وعند الله مقياس واحد هي طاعته، ليس بين الله وبين عباده قرابة إلا الطاعة.
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
والمؤمن الصادق ينطلق من هذا المقياس وحده، ولا يأبه لا بالغنى ولا بالفقر، ولا بالقوة ولا بالضعف، ولا بالوسامة ولا بالدمامة، ولا بالصحة ولا بالمرض، هذه مقاييس ما أقرَّها الشرع إطلاقاً في تقيّيم الأشخاص، ولكن الشرع والقرآن يتخذ مقياس الطاعة وحدها مقياساً للترجيح بين الناس. وأقول لكم هذه الحقيقة: الناس على اختلاف مشاربهم، واختلاف أعراقهم، واختلاف أنسابهم، واختلاف مللهم، واختلاف نِحلهم، واختلاف مستوياتهم الاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، والعرقية، الناس في النهاية رجلان مؤمن والثاني كافر، ومستقيم ومنحرف، ومحسن ومسيء، ومنضبط ومتفلِّت، وموصول ومقطوع، ورحيم وقاس، ومنصف وظالم، الناس رجلان، فالمستقيم، المحسن، المقبل، المنضبط، الرحيم هذا عند الله له شأنٌ كبير بصرف النظر عن عرقه، وعن جنسه، وعن أسرته، وعن عشيرته، وعن قبيلته، وعن إقليمه، هذه عنعناتٌ جاهلية.. والذي قال لسيدنا بلال: " يا ابن السوداء "، قال له النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يا فلان إنك امرؤٌ فيك جاهلية ))
[ أخرجه البخاري )
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
إن لم نتعامل مع بعضنا بهذا المقياس فلسنا مسلمين، الغنى تحت قدمك، والفقر تحت قدمك، فالغنى والفقر، الوسامة والدمامة، والذكاء وقلَّة الذكاء، هذه المقاييس اختصّ الله عزَّ وجل بها خلقه لحكمةٍ أرادها، لكنها لا ترفع ولا تخفض، والذي يرفع ويخفض الطاعة، مرَّة ثانية:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ' ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
الله عزَّ وجل شاءت حكمته أن يكون الأنبياء فقراء في معظمهم، فماذا كان يعمل الأنبياء الفقراء ؟ رعاة غنم، وهل هناك حرفة أهون على الناس من أن يرعى الغنم ؟ تجد شخصاً في الجبال مع مئة غنمة، وأنبياء عِظام رعوا الغنم لتحطيم هذه المقاييس التي ابتدعها الناس، وهناك أوهام، ومظاهر فارغة، ومقاييس مضحكة يقيس بها الناس، ما أنزل الله بها من سلطان. الإنصاف من أكبر الوسائل التي تعين على الاتصال بالله تعالى:
الحقيقة هناك حديث وهو:
(( عامل الناس كما تحب أن يُعاملوك ))
هذا الحديث على بساطته أدق مقياس، دائماً اعكس الآية فهل تحب أن تُعَامَلَ هذه المعاملة التي تعامل بها الآخرين ؟ وهل تحب أن يُعامل ابنك هذه المعاملة التي تعامل بها أبناء الآخرين ؟ وهل تحب أن تعامل ابنتك في بيت زوجها معاملةً كما تعمل أنت مع ابنتك أو مع زوجة ابنك ؟ فالإنسان يقيس نفسه بهذا المقياس، إنه مقياس دقيق وفعَّال، ودائماً اعكس الآية، هل ترضى أن تُعامل أمام موظَّف كما تعامل هذا المواطن المراجع ؟ وأنت طبيب فهل ترضى لو كنت مريضاً أن تُعامَل هذه المعاملة من طبيب ؟ أنت لو كنت محامياً فهل ترضى أن تعامَل كما تعامل هذا الموكِّل ؟ لا.. فهذا المقياس دقيق جداً، وهذا المقياس ينهضنا جميعاً، فلذلك:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
والإنصاف أحد أكبر الوسائل التي تعينك على الاتصال بالله عزَّ وجل، وإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة.
🌌 مجموعة هذه سبيلي الدعوية